والأحرف المقطعة في أول السور مسألة فيها خلاف، فمن المفسرين من يقول: إن هذا مما استأثر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بعلمه، ومنهم من يقول: إنها رموز أو أسماء لما لا نعلم، ومنهم من يقول كما هو القول الراجح الذي اختاره أكثر العلماء المحققين، وهو الذي ذكره المُصْنِّف هنا: إن المراد من هذه الحروف هو تحدي العرب وبيان أن القُرْآن من جنس كلامكم، وأن حروفه من جنس حروفكم ومن جنس لغتكم، فهو نزل بلسان عربي مبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:٣] ، ولكنكم مع ذلك لن تستطيعوا أن تأتوا بمثله، هذا إضافة إِلَى أن هناك فائدة أخرى في أن القُرْآن يبتدئ بهذه الحروف: وهي أن العرب لم يعهدوا ولم يسمعوا عن استخدام هذه الحروف بهذا الشكل، فإذا بدأ الإِنسَان يتكلم وابتدأ كلامه بشيء غريب غير معهود فإنه يشد الذهن أكثر، فالعرب لم تتعود أن تسمع إلا المعلقات والأشعار، والأشعار تبدأ عادة بالغزل وتنتهي بالموضوع الذي يريدون، وكذلك النثر والخطابة.
فالعرب ما تعودوا أن يسمعوا (آلم) ، فعندما يسمعون هذه الحروف فإنها تشد الذهن وتنبهه ثُمَّ يقول بعد ذلك ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:٢] أو حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أو حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الأحقاف:١-٢] وإتيان القُرْآن بهذا الشكل فيه زيادة في النكاية بهم وإرغام لهم عَلَى الإقرار والخضوع والاعتراف بالعجز، والقصور عن أن يأتوا بمثل هذا القُرْآن فهذا هو المراد هنا، لكن كما ذكر رَحِمَهُ اللَّهُ أن أهل المقالات الفاسدة يتذرعون بما ورد في المعجزة أو في التحدي لنفي الحرف والصوت -وخاصة الحرف- كما يتذرعون بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:١١] لنفي الصفات أو التأويل.