ونوضح هذا بمثال من كلام المعتزلة على الصرفة، يقولون: إن النَّاس يمشون ويحركون أيديهم وأرجلهم -قاسوا الكلام عَلَى الحركات- فافترضوا افتراضاً لو أن نبياً من الأَنْبِيَاء جَاءَ فقَالَ: أنا نبي فإذا قال الناس: ما آية نبوتك؟ قال علامة نبوتي أنه لن يستطيع أحد منكم أن يمد يده أو يحرك رجله، قالوا: بمجرد أن يقول النبي ذلك سوف تتوقف جميع حركات الأمة التي يدعيها هذا النبي؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ لما أعطاه هذه الآية فإنه سيمنع أُولَئِكَ عن الحركة رأساً! هذه الشبهة وهذا الخيال افترضوه في عقولهم وقاسوا عليه كتاب الله وكلام الله عَزَّ وَجَلَّ.
مذهب الأشعرية والماتريدية
الأشعرية والماتريدية يقولون: إن النظم أو الحروف المقروءة والمتلوة والمسموعة هذه ليست مُتحدىً بها ولانقول كما يقوله النظَّام وابن حزم من أن البشر مصروفون عنه، ولكن نقول: إن تعبير جبريل أو مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من عبر عنه كَانَ بإلهام من الله فلا يستطيع أحد أن يأتي به، فالإعجاز إذاً منحصر عَلَى الحقيقة في المعاني وفيما يتضمنه من الإخبار بالمغيبات والأحكام التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها.
هذا موجز لكلام النَّاس واختلافهم في التحدي وفي الإعجاز بالقرآن، -والمقصود وهو محل الشاهد- من هذا هو قوله:[فنفي المشابهة من حيث التكلم، ومن حيث التكلم به، ومن حيث النظم والمعنى، لا من حيث الكلمات والحروف] يعني: الكلمات والحروف التي في القُرْآن موجودة عند العرب، إنما المتحدى به أن يركب مثل هذا الكلام لفظاً ومعنىً وهذا واضح لكل من تدبر ذلك.