فالشاهد أن العرب كانوا يتحدون بذلك، ورَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أفصحهم بياناً لأنه من قريش، ولأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه الفصاحة والبيان وأعطاه جوامع الكلم، فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أن يوحى إليه من أوسط العرب وأعلاهم في الفصاحة والبيان، فأتاه هذا الكلام الذي يختلف عن كلامه هو، رغم أن كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعلى درجات البيان البشري، لكن أتاهم بكلام هو أعظم وأعلى من كلامه الذي يخاطبهم به في العادة ويقول: إن هذا من عند الله ويتحداهم أن يأتوا بمثله وليس ذلك التحدي لقريش أو للعرب فقط بل للإنس والجن قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآن آنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:٨٨] ثُمَّ جَاءَ التحدي بعشر سور مفتريات كما يزعمون.
ثُمَّ جَاءَ التحدي في سورة يونس وفي سورة البقرة بسورة واحدة فقط ولو كانت مثل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:١] فإنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بمثلها، رغم أنهم فكروا: ماذا نقول في هذا القرآن؟ شعر، أو سحر؟ كما فعل الوليد الذي فكر وقدر، فقتل كيف قدر، ثُمَّ قتل كيف قدر، ففكروا في ذلك، ولكنهم لم يجدوا إلا أن يقولوا: إنه كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، وليس مجرد أنهم صُرِفوا عنه كما يقول النظَّام.