وكان يجب أن يأخذ رأيه في الإمارة والخلافة ولما لم يوافق، فالبيعة لم تنعقد والإجماع لم يصح، وإنما أوردتُ هذا لتعرفوا أن غرضهم هو -كما قال من أدركهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم-: إنهم قوم منافقون، ما قصدوا إلا الطعن في الدين، ولكن لما عجزوا أن يقولوا للمسلمين: إن القُرْآن باطل، وإن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذاب -وهو الصادق الأمين- وحاشاه من ذلك، فَقَالُوا: نكذب أصحابه، فإن الكتاب والسنة إنما يؤخذ عنهم، فإذا كُذِّبَ الشهود بطلت القضية (إذا كُذِّبَ النقلة بطل الخبر) هذا هو المقصود والمراد منهم، فإذاً تبين لنا أن هذا الحديث حق، وأن قوماً يذادون عن الحوض؛ لأنهم من المرتدين أو من أصحاب البدع والضلالات التي تجعلهم جديرين وأهلاً لأن يطردوا عن حوضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب، وهذا من الأدلة الكثيرة عَلَى ذلك، ولهذا يقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
الحديث الثالث من أدلة الحوض: هو حديث الإمام أَحْمَد -الذي قلنا: إنه من ثلاثيات المسند- عنأنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (أغفى رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إغفاءة فرفع رأسه متبسماً إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فَقَالَ رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه نزلت علي آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر] وقام متبسماً بهذه البشرى العظيمة وهذا الاختصاص وهذا الفضل الجزيل الذي امتن الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - به عليه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أيضاً مِنِّة عَلَى الأمة جميعاً، لأن هذا الحوض تشرب منه هذه الأمة المصطفاة المختارة من بين الأمم.