قَالَ: فأما مضرته فإثارة الشبهات، وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم، وذلك مما يحصل بالابتداء، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه، ويختلف فيه الأشخاص. فهذا ضرره في اعتقاد الحق، وله ضرر في تأكيد اعتقاد المبتدعة وتثبيتها في صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم عَلَى الإصرار عليه، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل، قَالَ: وأما منفعته، فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها عَلَى ما هي عليه وهيهات، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف، قَالَ: وهذا إذا سمعته من محدَّث أو حشوي ربما خطر ببالك أن النَّاس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام، ثُمَّ قاله بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إِلَى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إِلَى التعمق في علوم أخرى تناسب علم الكلام، وتحقق أن الطريق إِلَى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود، ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور، ولكن عَلَى الندور) . انتهى ما نقلته عن الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ] اهـ.
الشرح
هذا الكلام الذي نقله المصنف، جدير بأن يتأمل كثيراً لأنه منقول عن عَلَمٍ من أعلام الفقه والأصول، والتصوف والكلام، وله شهرة واسعة وكبيرة في أكثر أنحاء العالم الإسلامي، وهو أبو حامد الغزالي، يقول:"وإذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن النَّاس أعداء ما جهلوا" لأن من المعروف أن أهل الحديث وأهل السنة أعداء لعلم الكلام.
تغلغله في علم الكلام
ثُمَّ يقول:[فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثُمَّ قاله بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إِلَى منتهى درجة المتكلمين] وهذه حقيقة تنطبق عليه، فالرجل قد خبر هذا العلم، وبلغ منه مبلغاً عظيماً، ووصل فيه إِلَى الرتبة العليا في علم الكلام، والجدل.