ثُمَّ ظهر الجعد بن درهم، فضحى به خالد بن عبد الله القسري بعد المائة والعشرين، وقَالَ: أيها النَّاس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، فإنه أنكر أن الله كلم موسى تكليماً، ثُمَّ نزل من المنبر وذبح الجعد بن درهم.
ثُمَّ تلميذه الجهم بن صفوان، وخرج مع الحارث بن سريج عَلَى بني أمية سنة ١٢٨هـ، وكان كاتباً له فنشر فكر المرجئة، والجهم كَانَ ينفي جميع الصفات عن الله، وكان في نفس الوقت مرجئاً، يقول: إن الإيمان هو المعرفة القلبية فقط، فمن عرف الله بقلبه فهو مؤمن -عند جهم -، ولهذا فالمرجئة غلو في هذا الباب، لأن إبليس يعرف الله بقلبه، بل بلسانه قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:٨٢] وكان الجهم كثير الجدل بلا علم، لم يتفقه، ويخالط العلماء، ويقرأ كتب العلم، ويحفظ من كتاب الله وسنة رسوله، وإنما كَانَ يجادل فقط، فجاءه قوم من الهنود من عباد الأبقار، فَقَالُوا: جئنا نناظرك، فقالوا له: صف لنا ربك؟ هل رأيته؟ هل لمسته؟ هل شممته؟
فبقي أربعين يوماً يفكر، كيف يرد عَلَى هَؤُلاءِ؟
فقَالَ: هو كالهواء، ليس له أي صفة، لا يرى ولا يشم، ونتج عن ذلك نفي صفات الله عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ تلقى عن الجهم بشر المرّيسي، وهو يهودي في الأصل، لم يلق الجهم، ولكن لقي تلاميذ تلامذته، وتعلم مذهب الجهم
ثُمَّ تلقى عنه عبد الله بن سعيد بن كلاّب، وهو المؤسس الحقيقي للمذهب المسمى مذهب الأشعرية، ولذلك هجره الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لأنه وافق مقالة بشر وجهم، لكن ابن كلاب لم ينف جميع الصفات، كما قال جهم بأن الكلام كلام نفسي، ولكن أثبت ما يثبته العقل، ونفى ما ينفيه العقل، وحكّم العقل.