وهذا الذي قالتهالأشعرية والماتريدية، فَقَالُوا: ما قامت القواطع العقلية عَلَى إثباته فإننا نثبته، وهي: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام -الكلام النفسي- فهذه يدل العقل عَلَى إثباتها.
وأما الأخرى فالعقل يحكم باستحالتها في حق الله تعالى، فلا نثبتها لله تعالى، وأصل هذا العقل هو عقل الجهم لما اختلى أربعين يوماً.
والقدرية تشعبت، فكان منها القدرية الغلاة الذين ينكرون العلم، ومن أنكر علم الله للأشياء قبل وقوعها فقد كفر، وهَؤُلاءِ أكفر القدرية فإنهم قالوا: لو كَانَ الله يعلم أنه يفعل المعصية، إذاً هو قدّر عليه المعصية، فكيف يجازيه عليها؟ وهكذا سوّل لهم الشيطان.
والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أخبرنا أن هذه الحجة قديمة، قال تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:١٤٨] ويقول الله عَزَّ وَجَلَّ في سورة النحل: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:٣٥،٣٦] وقال في الأنعام: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:١٤٩] ثُمَّ قَالَ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام:١٥١] فالله تَعَالَى ذكر هذه الشبهة وردّ عليها بأنه لو كَانَ يلزم من ذلك أنه أراد الشرك -يعني قضاه وقدره- لما أرسل الأنبياء، ولما أقام الحجة البالغة.