للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه الاستعارة إنما هي على سبيل التقريب، لأن كثيراً من الناس يظنون أن المصطلحات الصوفية ما هي إلا اصطلاحات فنية -أي عبارات أو معاني أو ألفاظ- أُطلقت على المعاني القلبية لنعرف بها هذه المدلولات، ويقول كثيرٌ منهم: إن التصوف هو شرح لحقيقة المرتبة الثالثة من مراتب الدين التي هي الإحسان.

هؤلاء القوم أي الصوفية يقولون -كما هو أصل ديانتهم في الهند -: إن بين العبد وبين الرب ألف مقام من الظلمة، يقطعها حتى يصل إلى النور أو التوحيد الذي هو عندهم المحو والفناء في ذات الله، بحيث تتحد نفسه بالباري، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

وهذه المصطلحات نقلت إلينا على سبل، فنقلها بعضهم وهو من أهلها، ونقلها بعضهم على سبيل التقريب أو استعارة لاصطلاحات لا يؤمن بمدلولاتها، ونقلها بعضهم وهو لا يدري على أي شيء تدل.

فالنقطة الأولى: نقطة الانطلاق ونقطة البدء في حياة الإنسان ومعاملته وعبادته هي: توحيد الله تبارك وتعالى، فلا شيء قبله، ولا يقبل من العبد شيء إلا بعد أن يوحد الله تبارك وتعالى وأن يؤمن به سبحانه وتعالى، فهي أول دعوة الأنبياء، وأول ما يبدأ فيه الإنسان في عبادته لله تبارك وتعالى وهذه الأمة هي أمة التوحيد، وأبو الأنبياء جدنا الخليل إبراهيم عليه السلام هو إمام الموحدين، وهو الذي جاء بملة إبراهيم ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً [النحل:١٣٢] فهي الملة الحنيفية التي تقوم على التوحيد. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ارتدت العرب إلى الشرك وعبدت الأوثان، وأشركت مع الله غيره، وعبدت المعبودات التي كان قوم نوح يعبدونها، فجاء بدعوة التوحيد وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وجاء بالسيف كما قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له)

<<  <   >  >>