للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل له: فهل يجوز أن يدخل بعض هذه العوامل الملفوظ بها على بعض؟ فإذا قال: لا، قيل له: فمن أين علمت أن ذلك لا يجوز؟ فإذا قال: من جهة أنها استقرئت في كلام العرب فلم يوجد ذلك في شيء من كلامها، قيل له: فإذا رفعت الاسم بالظرف فقد نقضت ما قدمته من هذه الأصول المجتمع عليها، وذلك أنك زعمت أنا إنما نعلم أن العامل هو علة للإعراب الواقع في المعمول فيه إذا ألزم في الكلام وجها واحدا مع عامله، ولسنا نرى الاسم مع الظرف يلزم وجها واحدا، لأنا نجده مرفوعا مرة ومنصوبا أخرى في التقديم والتأخير جميعا، ألا ترى أنك تقول: في الدار أخوك، وإن في الدار أخاك، وأخوك في الدار وإن أخاك في لدار، فلا أرى الظرف ألزمه وجها واحدا فيعلم أنه العامل فيه من حيث علمنا سائر العوامل، فأعطيت العوامل وصفا واحدا رفعته عنها ها هنا بجعلك الظرف عاملا وهو بغير ذلك الوصف، ونفيت عن العوامل أيضا وصفا آخر، وهو أنه لا يدخل عامل على عامل، ثم أوجبت لها هذا الوصف المنفي عنها هناك بجعلك الظرف عاملا وإدخالك (إن) والعامل عليه، فنقضت الوصفين جميعا، وأوجبت من أوصاف العوامل ما كان منفيا ونفيت ما كان موجبا، وهذا فساد لمباني الصناعة وأصولها، وهذا الإلزام بعينه يلزم من زعم أن المبتدأ يرتفع بالخبر والخبر بالمبتدأ، وذلك أنهما عاملا لفظ فيما يزعم أهل الكوفة، فينبغي أن "لا" يلحقهما شيء من العوامل نحو أن والفعل وغير ذلك، إذ /٦٦/ ليس يدخل عامل على عامل، (لأنا قد نرى) خذا الخبر الذي كان مرفوعا بالمبتدأ على ما قالوا منصوبا، ورافعه في الكلام موجود، ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، فإن كان زيد هو الرافع لقائم فينبغي ألا تقول: كان زيد قائما، ونحن إنما نعلم أن زيدا هو الرافع لقائم إذا ألزم قائما الرفع مع وجود زيد معه، وإلا فمن أين يعلم ذلك والعرب لم تخبرنا باعتقادها فيه، وإنما دلنا عليه الاستقراء، وهذا ظن لا دليل معه وتحكم لا حجة تصحبه.

<<  <   >  >>