للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمن غِيظَ بهم فقد شارك الكفَّار فيما أذلَّهم الله به وأخزاهم وكَبَتَهم، ومن شارك الكفار فيما كُبِتُوا به جزاءً لكفرهم فهو كافرٌ مثلهم؛ لأن المؤمن لا يُكْبَت جزاءً للكفر. يوضّحه أنه علّق الحكم بوصفٍ مشتق مناسبٍ؛ لأن الكفر مناسب لأن يُغاضَ صاحبُه، فإذا كان هو الموجب لأن يُغاظ صاحبه بأصحاب محمد، فكل من غاضَه اللهُ بهم فقد وُجدَ في حقَّه موجِبُ ذاك وهو الكفر، وهذا معنى قول الإمام أحمد "ما أُرَاهَ على الإسلام" (١) - يعني الرافضي -.

ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أَبْغَضَهم فقد أَبْغَضَني، ومن آذَاهم فَقَد آذاني، ومَنْ سَبَّهم فَعَليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ، لا يَقْبَل اللهُ مِنه صرفًا ولا عَدْلًا" (٢)، وأذى الله ورسوله كُفْر، وبهذا يظهر الفرق بين أذاهم قبل استقرار الصحبة وأذى سائر المسلمين، وبين أذاهم بعد ثبوت الصحبةِ، فإن من كان على صحبته ومات عليها فإن أذاه أذى مصحوبه، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "اعتبروا الناسَ بأخْدَانِهم" (٣)، كما قيل:

عن المرءِ لا تسألْ وسَلْ عن قريْنِه ... فكُلُّ قريْنٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدي (٤)

وقال مالك: هؤلاء قومٌ أرادوا قدح الرسول فما أمكنهم فقدحوا في أصحابه، حتى يقال: رجلُ سوءٍ كان له أصحاب سوءٍ.

قال ابن عمر: "لا تسبُّوا أصحابَ محمدٍ، فإن مُقَام أحدهم خير


(١) كما تقدم ص/ ١١٨.
(٢) مضى تخريجه. ص/ ١٢٠.
(٣) رواه ابن بطة في "الإبانة": (٢/ ٤٣٩) تحقيق رضا نعسان.
(٤) البيت لعدي بن زيد العِبَادي، انظر "عيون الأخبار": (٣/ ٧٩)، و"بهجة المجالس": (١/ ٢/ ٧٠٥).

<<  <   >  >>