للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يؤمنون حتى يُحكِّموه في الخصومات التي بينهم، ثم لا يجدوا في نفوسهم ضِيقًا من حكمه، بل يُسلِّموا تسليمًا لحكمه ظاهرًا وباطنًا.

وقال قبل ذلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} إلى قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١)} [النساء: ٦٠, ٦١]، فبيَّن أن من دُعِيَ إلى التحاكم إلى كتاب الله وإلى رسوله، فصدَّ عن رسوله، كان منافقًا، مع قوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١]، فمن تولَّى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه، فهو منافق وليس بمؤمن، بل المؤمن من يقول: سمِعْنا وأطَعْنا.

وإذا ثبت النفاقُ بمجرَّد الإعراض عن حكم الرسول، فكيف بالتنقُّص والسَّبِّ ونحوه؟!

الدليل الخامس (١): قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} الآية [الأحزاب: ٥٧]، فَقَرَنَ أذاه بأذاه، كما قرن طاعته بطاعتِه، فمن آذاه فقد آذى الله، وقد جاء ذلك منصوصًا عنه، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم، يوضِّحه أنه جعل محبةَ الله ورسوله، وإرضاءَ الله ورسوله، وطاعةَ الله ورسوله شيئًا واحدًا، وجعل شِقَاقَ الله ورسوله [و] (٢) محادَّة الله ورسوله، وأذى الله ورسوله، ومعصيةَ الله ورسوله، شيئًا واحدًا، ففي ذلك بيانٌ لتلازم الحَقَّيْن، وأن جهةَ الله ورسوله جهةٌ واحدة؛ فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاع الرسول فقد أطاع


(١) "الصارم": (٢/ ٨٥).
(٢) سقطت سهوًا من المؤلِّف.

<<  <   >  >>