للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه هي بلاد العرب. وهي، كما ترى، تغلب على كثير من أقسامها الصحراء، وما زال أهلها في عز ومنعة، يأبون أن يذلوا لسلطة قاهرة تحكم في أعشارهم وأبشارهم، اللهم إلا ما كانت تتألقهم به الدول المجاورة لهم لتتزود من نصرتهم وقت الحاجة: كالمناذرة مع الفرس، والغساسنة مع الرومان.

موطن اللغة العربية الأول:

يستنتج من أقوال الباحثين أن اللغة السامية الأم كانت منتشرة في منطقة واسعة الأطراف، قبل أن تلد بناتها وتتشعب إلى فروعها. فأين كانت هذه المنطقة؟

يقول بعضهم: إنها أرض أرمينية من حدود كردستان. ولم نقف على دليلهم وما استندوا إليه في هذا المذهب، ولعلهم يرجعون به إلى زمن نوح يوم استقرت سفينته على الجودي بعد الطوفان. وذهب العلامة جويدي Guide إلى أن المهد الأصلي للأمم السامية كان جنوبي العراق على نهر الفرات. ونقل بعضهم أن أقدم هجرة سامية اتجهت نحو بابل كانت من نواحي الجزيرة، وقد أسست ملكًا عظيمًا في منطقة الفرات وكان لها حول وطول في عصور شتى، وأن الهجرة الكنعانية والآرامية والعبرانية كلها صدرت عن جزيرة العرب، وانتشرت في العراق وسورية وفلسطين، بل جاوزتها إلى مصر فكان من الأسرة الحاكمة فيها المعروفة بالهكسوس أي الرعاة.

وجاء في آداب اللغة الآرامية للعلامة شابو Shabot أن منبت الساميين هو الأقطار الواقعة جنوبي قزوين، رحلوا من هناك إلى بابل وانتشروا في الأقطار.

وقال بهذا القول فون كريمير Von Kremer، ووافقه في بعض هذا الرأي هومل Hommel. ويقول سايس Says: إنهم من بادية العرب. وقال بقوله جماعة.

وسواء أكان أصلهم من الجزيرة العربية أو جنوبي بحر قزوين، فقد استقروا في منطقة الفرات ودجلة، وكان لهمك دولة وصولة، وكانوا الغالبين على البلاد، حتى إن بعض ملوكهم نقش فيما نقش من الآثار: أنه ملك اللغات الأربع، يعني ملك أصحابها، لأن هذه الأرض سكنها الكوشيون والآريون والسوريون، والكلدان.

إن هذه المملكة قد أسست قبل أن اختلفت أجناس البشر ولغاتها كثيرًا. وقد كانت اللغة الرسمية في الدولة لغة الساميين المالكين، وهي لغة الدواوين التي كتبت بها سجلات الدولة، ودامت ألفي عام وهي حافظة رونقها، ويحفظ النبلاء والمتعلمون جدتها.

قال العلامة م. مسبيرو M. Mespero: إن اللهجة المصقولة التي كان كاتبه نينوى وبابل يستعملونها في عهد هيرودتس لإنشاء الكتابات الرسمية، كانت قد أضحت، منذ زمن طويل، ما

<<  <  ج: ص:  >  >>