نشأ المؤلف نشأة أترابه من أبناء مدينة النبطية الصغيرة الواقعة إلى الجنوب من لبنان. وقد ولد في اليوم الرابع من حزيران ١٨٧٢؛ ثم ألحقه والده سنة ١٨٧٨ بكتاب البلدة، فقرأ فيه القرآن وجوده، كما تعلم أصول الخط. وفي سنة ١٨٨٠ رحل الطفل، وهو بعد في الثامنة من عمره، إلى قرية أنصار، لطلب العلم فيها على يد العلامة السيد حسن إبراهيم، فدرس فيها الصرف والنحو. حتى إذا قضى عشرين شهرًا بين يدي أستاذه، استدعاه والده، بعد أن فقد عليًا أكبر أبنائه، ليتسلى به عن همومه. فأخذ الطفل يتردد في بلدته على مدرسة النبطية الرسمية، متعلمًا فيها مبادئ الحساب والجغرافيا، كما راح يختلف إلى مجلس العلامة السيد نور الدين قارئًا عليه شرح الألفية لابن الناظم.
ثم انقطع عن طلب العلم بعد أن توفي والده خلال عام ١٨٨٤. ولم يصل ما انقطع من دراسته حتى هبط إلى بلدته السيد محمد إبراهيم، العالم الذي تميز بالخبرة، والسعة في الأفق، والشمول في المعرفة، فلازمه وقرأ عليه علوم المعاني والبيان والمنطق والطبيعيات، وتأثر بأستاذه تأثرًا بالغًا في شغفه بالعلوم العصرية والدراسات الفلسفية. ولما لم يكن يومئذ مدارس تتيح له فرصة التزيد من هذه العلوم فقد اجتهد وسعه في المطالعة وتثقيف نفسه، وبذل جهدًا شديدًا في اقتناء الكتب معلقًا عليها، شارحًا ما غمض منها، مستعينًا بمن يفوقه في المعرفة والدراية حتى أدى به ذلك إلى قصر البصر.
كان انتشار الجهل يؤلمه، وفقدان المدارس يحز في نفسه. فكأنه، في إكثاره من المطالعة والدراسة، يحاول أن يعوض عن الأمية الشاملة التي أخنت بكلكلها على بلدته. وما كاد يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى وضع، مع فريق من إخوانه، حجر الأساس لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في النبطية، مستهدفًا بها تأسيس مدرسة أو أكثر لتسهيل أسباب المعرفة أمام سكان بلدته., وقد استولى الأتراك على ممتلكات هذه الجمعية وألغوا رخصتها خلال الحرب العالمية الأولى؛ ثم هدمت تلك الممتلكات. ولكنه أعاد الكرة بعد الحرب يؤازره إخوان له، فاستعاد للجمعية قوتها حتى أصبحت لها ممتلكات تقدر قيمتها- اليوم- بمليون ليرة لبنانية.
وفي سنة ١٨٩١ قدم العلامة السيد حسن يوسف مكي إلى النبطية، وافتتح فيها مدرسة