الحميدية التي التحق بها المؤلف الشاب طالبًا ومعلمًا. فكان يلقي دروسًا في النحو والصرف والمنطق والبيان على طلاب الصفوف الأولية، ويتلقى، بدوره من رئيس المدرسة، دروسًا في الفقه وأصوله وعلم الكلام والفقه الاستدلالي. ثم سافر غلى الحجاز لأداء فريضة الحج سنة ١٨٩٣.
حياته السياسية والعلمية
كان، رحمه الله، دائم التطلع إلى كل جديد، تدفعه رغبة شديدة في تغيير الأوضاع السيئة التي وجد عليها سكان بلدته بصورة خاصة، وأولئك الذين كانوا يعيشون في مختلف القرى والدساكر المحيطة بالبلدة. كل شيء كان يؤلمه: الفقر، والجهل، والتمسك الأعمى بالتقاليد، وسلطان الإقطاع العشائري، وتخلف الناس واستسلامهم للأغلال التي كانوا يرسفون بها فلا يكادون يتحركون. فأقبل على مقاومة هذه العلل ما وسعته المقاومة، مستعينًا بالوسائل التي تهيأت له، رغم اشتغاله بتجارته، فتعاون مع إخوان له في تأسيس محافل أدبية وعلمية، وجمعيات سرية ذات أهداف سياسية لم تلبث أن تهاوت جميعها بسبب طغيان النظام الإقطاعي، وعجز المواطنين عن إدراك حقيقة أهدافه. ولكن محاولاته كانت مسمارًا، بل مسامير دقت في نعش هذا الإقطاع. ثم كرر هذه المحاولات وأعاد النظر في أساليبه، وبقي جاهدًا مناضلًا، رغم تقدم السن به، حتى آخر نفس من أنفاس حياته.
ولما لم يجد في بلدته ما يحقق له خطته بالسرعة التي يريدها، التحق بالحركات التحريرية العربية، واشترك في معترك السياسة العامة. فكان عضوًا مسؤولًا في يبعض الجمعيات السرية التي كانت تسعى إلى تحرير البلاد العربية من نير الحكم العثماني.
واكتشفت السلطات العثمانية الحلقات السرية لهذه الجمعيات أو أكثرها، فكان المؤلف مع رضا بك الصلح وولده رياض وعبد الكريم الخليل وغيرهم من أفراد القافلة الأولى التي قدمها السفاح جمال باشا للمحاكم العرفية في بلدة عالية. ولكن الله سلمه كما سلم المرحومين رضا بك ورياضًا من حبل المشنقة.
ولما لمك يجد ورفاقه، بعد انسحاب الأتراك، ما يحقق لهم "أهدافهم الوطنية" تابعوا نضالهم وقاوموا الانتداب الفرنسي مقاومة شديدة بالغة، واشترك المؤلف في ثورة جبل عامل على الاحتلال الفرنسي سنة ١٩٢٠، فنكل به وأبعد عن بلده، كجزء من خطة وضعها الاستعمار الفرنسي للقضاء على القائلين بالأمة العربية الواحدة ذات السيادة الكاملة التامة.
وقد مثل بلاده في عدة مؤتمرات سياسية وأدبية، منها: مؤتمر الوحدة السورية، ومؤتمر الساحل، ومؤتمر بلودان، ثم المؤتمر الإسلامي العام في القدس، وانتخب عضوًا فخريًا بلجنة دار الكتب في المسجد الأقصى، وأخيرًا مؤتمر بيت مري الثقافي الذي عقدته جامعة الدول العربية.