للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٣] تأكيد على أن الرسول بشر يقف عند حدود بشريته، ولا يأتي بشيء من عنده.

وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته توضح هذا الأمر أتم توضيح فقد عاش صلى الله عليه وسلم بشرا تجري عليه أعراض البشرية طيلة حياته منذ أن ولد إلى أن مات فأكل وشرب، ومشى في الأسواق، وباع واشترى، وتزوج وأنجب، وحارب، وسالم، وغضب، ورضي، وفرح وحزن، وأدركه المرض فمرض، ومات كما يموت سائر البشر. صلى الله عليه وسلم.

وكل من عايش رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تتبع سيرته أدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك. والرسول صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله يؤكد هذا الأمر فيقول فيما رواه مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود وفيه (. . . . «إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون» (١) .

وقال فيما رواه البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» (٢) ففي الحديث الأول يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يتذكر وينسى أحيانا؟ هو شأن البشر جميعا، وفي الثاني يؤكد على عدم علمه للغيب بمقتضى طبيعته البشرية إلا أن يطلعه الله على ما شاء من الغيب كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: ٢٦ - ٢٧] (٣) .


(١) صحيح مسلم، تحقيق وتصحيح وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، ١٤٠٣هـ، ١٩٨٣م.
كتاب المساجد. باب السهو في الصلاة والسجود له، ١ / ٤٠٢.
(٢) صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي.
كتاب الحيل، باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، ٩ / ٣٢.
ومسلم كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، ٣ / ١٣٣٧.
(٣) سورة الجن، آية (٢٦-٢٧) .

<<  <   >  >>