للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه فكان كمرآة غير مجلوة. ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول فيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس. فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: ١٢٣] (١) كما ابتدأ منه.

فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم ((بالإنسان الكبير)) (٢) . هذا هو مذهب ابن عربي في وحدة الوجود ولسنا بصدد مناقشته وبيان مخالفته للإسلام (٣) .

لكن يهمنا هنا موقفه من الحقيقة المحمدية، وما هي علاقتها بمذهبه في وحدة الوجود؟

الحقيقة المحمدية عند ابن عربي: لما كان الله تنزه وتقدس- عند ابن عربي - يتجلى في صور المخلوقات باعتباره روح هذا العالم وكان الإنسان أعظم هذه المخلوقات، كان تجلي الحق فيه أعظم وأكمل. فالإنسان - في نظر ابن عربي - أكمل مجالي الحق باعتباره أرقى الموجودات. حيث جمع الصفات الحقيقة والخلقية، فصار صورة للعالم الأكبر، ولذلك يسميه ابن عربي بالمختصر الشريف، والكون الجامع لجميع حقائق الوجود


(١) سورة هود، آية (١٢٣) .
(٢) الفصوص، ص ٤٨- ٤٩.
(٣) انظر: في الرد على مذهب وحدة الوجود.
- رسالة حقيقية مذهب الاتحاديين ووحدة الوجود لابن تيمية. مجموع الفتاوي ٢ / ١٣٤- ٢٨٥.
- وتنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد. برهان الذين البقاعي. تحقيق عبد الرحمن الوكيل. - والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تقي الدين القاصى المكي ٢٠ / ١٦٠- ١٩٩. وقد ترجم فيه التقى القاضي لابن عربي وذكر طائفة من ردود العلماء عليه وتكفيرهم له.

<<  <   >  >>