للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١ - إماتة السنن: إن من أعظم آثار البدعة على الدين هو إماتة السنة وذلك لأن البدع رافعة لما يقابلها من السنن، وما قامت بدعة إلا على نقض سنة وتركها فتحيا- بسبب ذلك- البدعة وتموت السنة. ويصير المعروف منكرا والمنكر معروفا. حتى إذا عمت البدع وانتشرت صارت السنة وأهلها غرباء لا تجد منهم إلا الأفراد.

ولأجل هذا اشتد تحذير الصحابة والتابعين لهم بإحسان من البدع لعظم خطرها وكثرة شرورها. فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن) (١) .

وعن حسان بن عطية المحاربي (٢) .

قال: (ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة) (٣) .

وقد حاصر السلف أهل الأهواء والبدع، وقعدوا لهم كل مرصد وكشفوا أسرارهم، وهتكوا أستارهم، ونهوا الناس عن مجالستهم أو توقيرهم، واستعانوا عليهم بإظهار السنة والصبر عليها مهما كان إيذاء أهل البدع لهم. فرحم الله بهم الأمة وكشف بهم الغمة وأعلى بهم منار الدين، فكانوا هم الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة. ثم دار الزمان دورته فصار أهل السنة غرباء بين أهل البدع، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء» (٤) .


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ١٠ / ٣١٩.
قال الهيثمي: رجاله موثوقون. مجمع الزوائد، ١ / ١٨٨.
(٢) هو أبو بكر حسان بن عطية المحاربي مولاهم الدمشقي. من التابعين حدث عن أبي أمامة الباهلي وسعيد بن المسيب وغيرهما، وعنه الأوزاعي وحفص بن غيلان وغيرهما.
انظر: سير أعلام النبلاء، ٥ / ٤٦٦، وتهذيب التهذيب، ٢ / ٢٥١.
(٣) أخرجه الدارمي في المقدمة، باب اتباع السنة، ١ / ٤٥، وسنده صحيح.
انظر: مشكاة المصابيح، ١ / ٦٦.

(٤) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة من بعض القلوب، ١ / ١٣٠.

<<  <   >  >>