للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسمًا للمفاسد التي تترتب على ولوج هذا الباب العظيم؛ لأن الجاهل بالله وبشرعه وبما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم وبأصول الدين وقواعده قد يُبغّض الله تعالى إلى خلقه من حيث لا يعلم، وقد يتعاظم عند هذا الجاهل الذنب فيقنط الناس من رحمة الله، ويقطع عليهم طريق التودد إليه سبحانه وتعالى، والتحبب بالطاعة والتوبة والإنابة، وقد يقرأ آثارا وأخبارا صحيحة لا يفهمها على مرادها الصحيح فيتألى على الله تعالى بإخراج مسلم من الإسلام، أو يحدث في الأمة فتنة عظيمة تأتي على الأخضر واليابس، وقد يبيح فروجا محرمة، أو يحرم فروجا مباحة، وقد يجني على مسلم فيذهب نفسه كلها أو بعضها فيستحق دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال» (١) أو قد يفهم نصوصا على غير مرادها، ولذلك يكمن خطر هذا الجنس عند الدهماء والعامة الذين لا يميزون الرغوة من الصريح، وينخدعون بالمظاهر لأول وهلة، فمن تزيا بزي العلماء وحدثهم بأمور الشرع والدين صدقوه على أنه من العلماء، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان " (٢) ولأجل خطورة هذا الصنف كان الولاة وأهل العلم والفتوى يحتسبون على هؤلاء ويمنعونهم من الحديث، فإن لم يستجيبوا عزروهم بما يستحقون، ويرى كثير من الفقهاء الحجر على المفتي الماجن حسما لمادة شره، فكيف بالجاهل؟ !! ومما يستأنس به في مثل هذا المقام ما ذكره العلامة ابن القيم، قال: " كان بعض خلفاء بني العباس يلعب الشطرنج، فاستأذن عليه عمه، فأذن له، وغطى الرقعة، فلما جلس، قال: يا عم، هل قرأت القرآن؟ قال: لا، قال: هل كتبت شيئا من السنة؟ قال: لا، قال: فهل نظرت في الفقه


(١) أخرجه أبو داود (٣٣٦) وابن ماجه (٥٧٢) من حديث جابر وأبو داود (٣٣٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث فيه بحث من جهة سنده.
(٢) مجموع الفتاوى (٥ / ١١٨- ١١٩) .

<<  <   >  >>