بقبولها أو رفضها سواء من الحكومات، أو من الشعوب فهي ملزمة للجميع، فمعروف أن السيادة في الإسلام لله وحده وليست للحكومة أو للشعب كما في بعض النظم، وبالتالي فالدولة تتقيد في سيادتها الداخلية والخارجية بالإسلام ولا تخرج على أحكامه، فأحكام الإسلام لها السيادة المطلقة، والأحكام الدستورية المتغيرة التي قد تدون فيما يسمى بوثيقة الدستور هي التي يكون المجال لنشوئها متروكا للأسلوب الذي يوافق ظروف الدولة الإسلامية وقت نشوء هذا الدستور الذي لا يخرج بحال عن أحكام الإسلام ولا يخالفها، وبالتالي فإن مسألة موافقة الحاكم أو الشعب على الدستور في ظل النظام الإسلامي مسألة نسبية، فالحكم المطلق والتشريع المطلق في الإسلام لله وحده، وإنما يكون اختيار الناس وموافقتهم فيما لم يرد فيه نص قاطع وما كان محلا للاجتهاد من أهل الاجتهاد (١) كل في تخصصه حسب الوقائع فلكل واقعة تتطلب الاجتهاد وأهلها؛ فينبغي التفريق هنا بين تحرير الواقعة التي يؤخذ فيهما رأي ذوي الخبرة من ساسة واقتصاديين ومهندسين وأطباء، أو عامة مستفيدين مما كان منفعته عامة، وبين ما كان اجتهادا في إظهار الحكم الشرعي وليس ذلك إلا لذوي العلم بالشريعة من أفراد تكمل بهم أداة الاجتهاد تفسيرا وحديثا وفقها وأصولا ولغة وبلاغة. إذن فنشأة الدستور في الدولة الإسلامية مرتبطة بالتزام المجتمع، والدولة بالإسلام عقيدة وشريعة، ثم إن بيعة الناس للحاكم ملزمة للطرفين بالتحاكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن الدولة المسلمة ملزمة بالدستور الإسلامي، ولا يتصور وجود حاكم مسلم أو دولة مسلمة غير ملتزمة بهذا الدستور.
(١) د. جمال الدين محمد محمود، قضية العودة إلى الإسلام في الدولة والمجتمع، ص ٨٨، ط بدون، دار النهضة العربية، القاهرة.