المبحث الثالث: خصائص الدستور في الإسلام: للدستور في الإسلام خصائص تميزه عن غيره من دساتير العالم، فالدساتير المعاصرة تختلف من حيث طبيعتها ونشأتها، عن الدستور في الإسلام، وذلك أن هذه الدساتير نشأت في بيئة تختلف اختلافا كبيرا عن البيئة الإسلامية، وهذا الاختلاف ليس اختلافا شكليا أو فرعيا، ولكنه اختلاف ممتد إلى الجذور والأسس والمنطلقات، فبينما يرتكز الدستور في النظم الغربية والشرقية على منطلقات فكرية بشرية هي نتاج الفكر البشري المتأثر بخليط من الحضارات الوثنية والدينية المحرفة والمادية، نجد في المقابل الدستور في الدولة الإسلامية يتكئ على قاعدة صلبة من الإيمان، والوحي بما فيه من أصالة وصفاء منبع، صحيح أن الدستور في أي دولة لا يختلف كثيرا عن الدستور في دولة أخرى من الناحية الشكلية، ومن ناحية مواضيع الدستور، ولكن الاختلاف يكمن في كيفية معالجة هذه المواضيع، فدستور الدولة الإسلامية يعالج هذه المواضيع معالجة منطلقة من أسس ومنطلقات مرتكزة على الوحي الرباني، والدساتير في الدول الأخرى تعالج هذه المواضيع معالجة منطلقة من فكر بشري ومؤثرات بيئية وتاريخية أرضية.
فالحقوق مثلا عالجها دستور الدولة المسلمة، وكذلك هي في دساتير الدول الأخرى، ولكن المعالجة التي تتم لها تختلف في هذه الدساتير عن بعضها البعض، والمرجع لهذه الحقوق في دستور الدولة المسلمة، غير المرجع لها في الدساتير الوضعية.
وسنتحدث في هذا المبحث عن الخصائص التي تميز دستور الدولة المسلمة عن غيرها من الدساتير الوضعية.