حيث قال:(وليعلم الناظر في كتابنا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره منه، مما شرطت أني راسمه فيه إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها، دون ما أدرك بحجج العقول واستنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بأخبار الماضين وما هو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بأخبار المخبرين، ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول , والاستنباط بفكر النفوس، فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين , مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها من الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتى بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا (١) .
ثم جاء ابن خلدون رحمه الله فأضاف إلى منهج أهل التاريخ في الرواية قواعد للحكم على الرواية الخبرية حيث جعل من جملة الثقة بالأخبار جملة أمور منها:
١ - دراسة أسباب الواقعة وظروفها المحيطة بالحدث ومن ثم دفع الترهات؛ ولذا فإن راوي الأخبار عنده لا بد أن يكون ناقدا بصيرا لديه الموهبة التي تمكنه من كشف الزيف في الرواية، ولا بد أن يكون عنده ميزان دقيق يرجع إليه عند نقد الروايات في إطار أحوالها التي ترجع إليها الأخبار وتحمل عليها الروايات.
(١) الطبري، تاريخ الطبري، جـ١ (بيروت: دار سويدان، ١٣٨٧هـ) ، ص: ٢٥.