للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العين أصالةً أو تَحويلاً، أن تَسكُنَ عينُهُ، مثل "ظَرْفَ وفُهْمَ" وأن تُنقَلَ حركتُها إلى فائِه، نحو "ظُرْفَ وفُهْمَ"، وعليه قولُ الشاعر [من البسيط]

لا يَمْنَعُ الناسُ مني ما أرَدْتُ، ولا ... أُعطيهِم ما أرادوا! حُسْنَ ذا أدَبا!

(أي حسن هذا أدباً، فذا اسم إشارة فاعل. وأدباً تمييز، والواو في قوله "ولا أعطيهم" واو المعية التي ينتصب الفعل بعدها بأن مضمرة، فأعطيهم منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية المسبوقة بنفي. وكان حقه أن يظهر الفتحة على الياء لخفتها لكنه أضمرها ضرورة. يقول "ما أحسن ان لا يمنع الناس مني ما أردت من مالهم ومعونتهم مع بذلي لهم ما يريدون مني من مال ومعونة". يقول ذلك منكراً على نفسه أن يعينه الناس ولا يعينهم. فحسن للمدح والتعجب. وأراد بها هنا التعجب الإنكاري. وقيل في معناه يريد أن يقهر الناس فيمنعهم ما يريدون منه، ولا يستطيعون أن يمنعون ما يريد منهم لعزته وسطوته. وجعل هذا أدباً حسناً. والصواب ما قدمناه، لأن ما قبله من القصيدة يدل على ذلك وهو قوله [من البسيط]

قَد يَعْلَمُ الناسُ أني من خيارِهم ... في الدِّينِ ديناً، وفي أحسابهمْ حَسبَا

(واعلم أن الأدب الذى كانت تعرفه العرب هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم؛ كترك السفه، وبذل المجهود، وحسن اللقاء. واصطلح الناس بعد الاسلام بمدة طويلة على أن يسموا العالم بالنحو والشعر وعلوم العرب "أديبا" وأن يسموا هذه العلوم "الأدب". وذلك كلام مولدٌ لم تعرفه العرب بهذا المعنى، لأن هذه العلوم قد حدثت في الاسلام) .

ويُفيدُ ما يجري مجرى "نِعْمَ وبِئسَ" - معَ المدحِ أو الذَّم - التَّعَجُّبَ، ومعنى التعجب فيه قويٌّ ظاهرٌ، كما رأيتَ. حتى إن بعضَ العلماءِ ألحقهُ بباب التعجب. والحقُّ أنه مُلحقٌ بالبابين، لتضمُّنهِ المعنيين، لذلك تجري عليه أحكامُ ها البابِ وأحكام ذلك من بعض الوجوه كما ستعلم.

حكم الملحق بنعم وبئس

يجري ما يُلحقُ بِنعم وبِئسَ مَجراهما، من حيثُ الجُمودِ وإنِشاء المدحُ والذَّم، (إلا أنهُ يَتضمَّنُ أيضاً معنى التعجب، كما تقدّم) ، وكذلك من حيثُ الفاعلِ والمخصوصِ.

فيكونُ فاعلهُ، كفاعلهما، إِمّا اسماً ظاهراً مُعرّفاً بألْ نحوُ "عَقُلَ الفتى زهيرٌ! "، أو مَضافاً إلى مُقترنٍ بها، نحو قَرُؤ غلامُ الرجل خالدٌ! ".

وإما ضميراً مستتراً بنكرةٍ بعدَهُ منصوبة على التمييز، نحو "هَدُوَ رجلا عليٌّ! ".

غير أنَّ فاعله الظاهرَ يُخالفُ فاعلهما الظاهر في أمرين

الأول جوازُ خُلُوِّهِ من (ألْ) نحو "خطُبَ عليٌّ! " ولا يجوز ذلك في فاعلِ "نِعْمَ وبِئسَ".

الثاني أنه لما أَفادَ فعلهُ - مع المدح أو الذْمّ - التعجُّبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>