التاريخية، لا سيما تلك التي يثار حولها الجدل، وكذا التزام طريقة نقد أئمة الصنعة المتقدمين في التعامل مع الروايات الحديثية، والتأني الشديد في أحكامهم على الأحاديث، فالخطب جلل.
فهذه بعض أسباب تنطع بعض الجهلة بها في اتهام التاريخ الإسلامي وتعكزه على بعض الروايات المنكرة أو الألفاظ المتشابهة، أو تلفيق النصوص زيغاً في قلوبهم أو بدعة تشربت في نفوسهم أو حسداً منهم، لما سطره تاريخ المسلمين من مفاخر عظام وأحداث جسام ورموز فرائد عز التاريخ أن يأتي بمثلهم:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير
وليس غريباً على أعداء الإسلام مثل ذلك، ولكن العجب في لهث بعض الجهلة والمنتحلين وراءهم! فكنا بالأمس نسمع تلك الشبه من محافل اليهود والصليبين، واليوم نسمعها من بني جلدتنا وممن يلبسون ثوب الإسلام- زوراً-،والعياذ بالله.
وفي الوقت الذي يفتخر العالم كله بتاريخهم الغابر الأغبر! الذي ليس فيه إلا الدماء والقتل والظلم، ففارس اليوم تمجد كسرى ورستم، وتحتفل بيوم النار المقدسة!! والغرب يمجد الحملات الصليبية، حتى أنّ الرئيس الأمريكي "بوش" تبجح بها في غزوه لبلادنا اليوم! نجد كثيراً ممن يزعم أنه عربي مسلم يدوس العروبة بقدميه، ويشنع على الإسلام وأهله، ومصداق ذلك ما تخطه أنامله وتنطق زوراً شفتاه، فيخرج علينا بين الفينة والأخرى دعيٌ يتهم رجالاً لو لم يكونوا -بمن الله وفضله- ولم يبذلوا ما بذلوا من المهج والأرواح لكنا اليوم عبيداً في قصور كسرى وقيصر؟ يتهجم على جيل فريد عقم الزمان أن يأتي بمثلهم إلى يوم الدين، وعقمت الأرحام أن تلد كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد ... الخ رضي الله عنهم.
ولكي يتحقق لهم مقصودهم وتتم لهم مآربهم راحوا يطعنون في أصح الكتب التي نقلت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فشمروا السواعد، وبذلوا أوقاتهم للطعن في صحيح الإمام البخاري ت (٢٥٦هـ) وصحيح الإمام مسلم بن الحجاج ت (٢٦١هـ)،الذَين يعدهما المسلمون أصح كتابين في الدنيا بعد كتاب الله تعالى، تلقتهما الأمة بالقبول.
فجاء هذا المؤتمر المبارك ليس نصرة للصحيحين فحسب، بل نصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ونصرة للطائفة المنصورة التي من علاماتها اتباعها الحق وتمسكها به، رغم كيد الكائدين وانحراف المنحرفين وانبطاح المتخاذلين، وتميع الجاهلين، فهذا المؤتمر -إن شاء الله - في صحيفة من أقامه ورعاه وشارك فيه، وأعان عليه ولو بشطر كلمة، وما هو إلا دلالة على صدق وإخلاص هذين الجبلين (البخاري ومسلم) فإن الله يدافع عن الذين آمنوا فسخرنا بعد هذه القرون الغابرة لنقف مناصرين لهما ولكتابيهما، وسبحان القدوس الذي أيد البخاري بالنصرة في كل حين بعد تلك المحنة التي عاشها في زمانه! وصدق الإمام مالك رحمه الله لما قال:"ما كان لله بقي".