للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكبائر فنحتاج إلى دليل أخص يدل على أن استعمال هذين النوعين في الأكل والشرب يعتبر من الكبائر قد جاء في البخاري ولمسلم (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) هذا توعد بنار ومعلوم أن من ضوابط الكبيرة ما توعد عليها بعذاب في الدنيا أو في الآخرة حينئذٍ نقول هي محرمة وهي كبيرة من الكبائر وهذا محل إجماع كما ذكرت فيما سبق وإن وقع نزاع عند بعض المتأخرين بأنه محمول على الكراهة إلا أنه قول شاذ بمعنى أنه مخالف للإجماع وأما ما عدا الأكل والشرب فهذا محل خلاف بين أهل العلم وحكي الإجماع على أن ما كان في معنى الأكل والشرب حكمه حكم الأكل والشرب ولذلك قال النووي رحمه الله تعالى (انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها - يعني في آنية الذهب والفضة - وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع) وحكا غيره إجماع الأمة على ذلك إذاً ما عدا الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة حكي عليه الإجماع وثَمَّ خلاف في بعض المذاهب لكن الصحيح ملحق به وما كان بالنص بالتنصيص على الأكل والشرب نقول هذا خرج مخرج الغالب إذاً هو ملحق بالأكل والشرب، ثالثاً: الاتخاذ وهو الاقتناء من هذه الآنية مع كونها لم تستعمل في الأكل والشرب ولا في غيرهما نقول هو كذلك محرم لأن ما حرم استعماله مطلقاً حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي كما أن المعازف محرمة الاستعمال هي كذلك محرمة الاتخاذ إذ لا يقال بأن التحريم هنا منصب على الاستعمال فحسب ثم له أن يتخذ هذه المعازف كأن يضعها في بيته زينة ونحوها بل نقول هذا محرم كذلك آنية الذهب والفضة محرمة الاستعمال في الأكل والشرب وما كان في معنى الأكل والشرب ملحق به حينئذٍ اتخاذها يكون وسيلة إلى استعمالها ولا شك أن الوسائل لها أحكام المقاصد حينئذٍ نقول اتخاذ هذه الآنية يكون من المحرمات للقاعدة التي ذكرناها ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى (بل يعم ذلك سائر وجوه الانتفاع) يعني هذا النص الذي جاء في الحديث (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) يعم سائر وجوه الانتفاع بمعنى أنه ما كان في معنى الأكل والشرب فهو محرم وكذلك ما كان متخذ ولو لم يستعمل في أكل وشرب فهو محرم والتنصيص على الأكل والشرب يكون خرج مخرج الغالب وما كان كذلك لا يتقيد الحكم به لذلك قال تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً) إنما حرقوها ولم يأكلوها الحكم واحد يستويان لأن المراد هو الإتلاف والتنصيص على الأكل لا يلزم منه أنه لو أحرقها لا يستوي الحكم معه كذلك قوله تعالى (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) تأكلوا الأكل مخصوص معلوم حينئذٍ لو تعامل بالربا أضعافاً مضاعفة ولم يأكل هو كذلك محرم (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم) دل النص على أن التخصيص هنا مراد أو غير مراد؟ غير مراد فلا مفهوم له كما ذهب إليه بن حزم إذاً هذه النصوص وهذه الأقوال تدل على أن الحكم واحد في آنية الذهب والفضة سواء كان في الاتخاذ أو في الاستعمال سواء كان الاستعمال في الأكل والشرب أو في غير الأكل والشرب ولذلك قال بن عبدالبر (معلوم أن من أتخذها لا يسلم من بيعها أو استعمالها لأنها ليس مأكولة ولا مشروبة فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>