للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (ضابطُ التقدم بالطبع: أن يكون المتقدِّم بحيث يوجد بدون المتأخر، ولا عكس).

قالوا: كالواحد للاثنين، الواحد متقدم على الاثنين (أن يكون المتقدم بحيث يوجد بدون المتأخر) والواحد يوجد دون الاثنين.

قال: (ولا عكس) الاثنين لا توجد دون الواحد.

(ولا يكفي في وجود المتأخر -الاثنين- وجود المتقدم، ولا يكون المتقدم عِلَّةً تامة لوجود المتأخر كتقدم الواحد على الاثنين، والجزء على كله. ويسمى تقدماً بالذات أيضاً).

إذاً: قدَّم المفرد على المؤلَّف لأنه مقدّمٌ طبعاً.

(فقُدِّم وضعاً) يعني: في الذِّكر، ولذلك دائماً تكون التصورات مقدَّمة على التصديقات؛ لأن التصورات مفردات، والتصديقات كُلِّيّات فحينئذٍ الجزء مقدمٌ على الكل.

وَقُدِّمَ الأَوَّلُ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَّدَّمٌ بِالطَّبْعِ

كذلك المفرد مقدَّمٌ على المركب؛ لأن المؤلَّف يتركب من المفردات.

(فقُدِّم وضعاً ليوافِق الوضع الطبع).

قال هنا المحشِّي: تقدم المفرد على المركب باعتبار ذاته أي: أفراده التي يصدُق عليها؛ لأنه جزءه، وأما بحسب المفهوم فإنه مؤَّخرٌ عن المركب.

يعني: التقدم الذي ذكره المحشّي هنا يُعتبر باعتبار الأفراد، ونحن هنا لا ننظر إلى الأفراد وإنما ننظر إلى المفاهيم. يعني: مفهوم المفرد بقطع النظر عن أفراده، لا نتكلم عن زيد وقام وإلى، وإنما ننظر إلى مفهوم "يعني: معنى" المصطلح هذا المفرد.

وكذلك مصطلح المؤلَّف ما المراد به.

إذا كان البحث في المفاهيم فحينئذٍ لا يتأتى أن نقول بأن المفرد مقدّم على المؤلَّف؛ لأن المفرد سلبٌ "سلبُ شيء"، والمؤلف إثباتٌ. وأيهما أولى بالتقديم؟ عندما نقول: لا يدل جزءه، هذا سلْبٌ، يُثبَت الشيء أولاً ثم بعد ذلك يُسلب. هذا المراد يعني: ملَكَة وما يقابلها.

قال هنا: تقدّم المفرد على المركب باعتبار ذاته أي: أفراده التي يصدُق عليها؛ لأنه جزءه. وهذا لا إشكال فيه، باعتبار الأجزاء نقول: المفردات مقدَّمة على المركبات؛ لأنك أولاً قبل أن تقول: زيدٌ قائمٌ لا بد من استحضار زيد واستحضار قائم، وبعد ذلك تركِّب بين المفردين.

إذاً: الفرد "زيد" والفرد "قائم" تقدما في الوجود على المركب، لا إشكال فيه، هذا باعتبار الأفراد والمَصْدَقَات.

وأما بحسب المفهوم "يعني: التعريف والذي يُتصور في الذهن من أجل أن تعرِفه"، وأما بحسب المفهوم فإنه مؤخَّرٌ عن المركب؛ لأن التقابل بينهما تقابُل العدمِ والملَكَة.

العدم النفي، والملكة الوجود، والأعدام إنما تُعرَف بملكاتها، ولذلك قدَّم أكثر المناطقة تعريف المركب على تعريف المفرد، العكس هو الأولى مما صنعه المصنف.

قال والحاصل: أن ذات المركب "أي: مصدوقه" كزيدٌ قائمٌ ونحوه متأخرٌ عما صدق المفرد عليه كزيد وعمرو .. ونحوهما.

ومفهوم المركب وهو ما دل جزءه على جزء معناه متقدِّمٌ على مفهوم المفرد وهو ما لا يدل جزءه ... إلى آخره.

لأن الثاني سلْبٌ للأول، وسلب الشيء فرعٌ عن وجوده، والكلام هاهنا في الثاني دون الأول.

إذاً: البحث في المفاهيم لا في الأفراد والمصدَقات، لو كنا في الأفراد والمصدقات قلنا: المفرد مقدَّمٌ على المركب؛ لأن معرفة الجزء مقدَّمةٌ على معرفة الكل، ولكن البحث في المفاهيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>