بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ:
فنشرع هذه الليلة في التعليق على شرح زكريا الأنصاري في ما كتبه على متن إيساغوجي، وقد عرفنا في الدرس الماضي من اللقاء السابق ما يتعلق بأهمية النظر في هذا الفن، وأنه إذا نظر الطالب في بعض المتون مع شروحها، فحينئذٍ يُكتفى بها.
وهذا الشرح وإن كان صغير الحجم إلا أنه مشحونٌ بكثرة المسائل. يعني: مسائله كثيرة، مع أنه صغير، وإذا كان كذلك فحينئذٍ نحاول أن نقف مع الألفاظ؛ بحيث ندرس الكتاب دراسة نصيَّة، دراسة نصيّة بمعنى أنه يُنظر في كل لفظٍ على حدة.
وما كتبه المحشِّي هنا يُنظر فيه من حيث الانتقاء. يعني: بعض المسائل شرحُها يكون من الحاشية، وكذلك ما كتبه حسن العطّار في بعض المسائل وفي بعض المواضع، لا بد من ذِكره.
قال هنا في المقدمة، النسخة التي معكم فيها مقدمة من الناسخ وليست من صاحب الكتاب (قال سيدنا ومولانا العالم .. ) إلى قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ).
هذه الجمل إنما هي ثناءٌ من الناسخ أو من بعض الطلاب ونحو ذلك، وليست من الشيخ.
وهذا الكتاب كما هو معلوم ونص عليه هنا لأبي يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الخزرجي السُنَيكي الشافعي، ولد سنة ٨٢٤هـ وقيل: سنة ٨٢٦هـ يعني: فيه خلاف يسير هل هو في سنة ٨٢٤هـ أو ٨٢٦هـ على خلافٍ يسير لهم.
والشارح معروفٌ عند الشافعية على جهة الخصوص، كما قال الشوكاني رحمه الله تعالى في ترجمته: له شرحٌ ومختصرات في كل فنٍ من الفنون.
يعني: ما ترك فناً إلا وألَّف فيه.
وهذه سمةٌ لجميع أهل العلم السابقين أنه يكون مشاركاً في جميع العلوم؛ لأن العلوم الشرعية يخدم بعضها بعضاً، ولا يُتصور في الواقع انفكاك العلوم الشرعية بعضها عن بعض، فالمفسِّر لا بد أن يكون محدِّثاً، والمحدث لا بد أن يكون مفسراً، والفقيه لا بد أن يكون أصولياً، والأصولي لا بد أن يكون نحوياً .. إلى آخره، فهي متلازمة بعضها يخدم بعض.
أكبر دليل يدل على ذلك: مثل هذه المصنفات، تجد شيخ الإسلام هنا -إن صح التعبير وهذا فيه نظر سنأتي علي- أنه ألّف في المنْطِق، وألّف في أصول الفقه، وألّف في التفسير، وألّف في الحديث .. وإلى آخره، يدل ذلك على أنه قد نظر في جميع الفنون.
له شرحٌ ومختصرات في كل فنٍ من الفنون توفي سنة ٩٢٦هـ
من ضمن المسائل التي ذكرها هنا المقدم قال: (قال سيدنا ومولانا العالم العامل العلّامة، الحبر البحر الفهّامة، حُجّة المناظرين وحُلّة الطالبين، وقدوة العارفين ومربي السالكين، شيخ الإسلام والمسلمين، ذو التصانيف الحميدة والفتاوى المفيدة، والتآليف الجامعة النافعة، والأبحاث الساطعة القاطعة، زين المحافل فخر الأماثل، أبو الفضائل والفواضل أبو يحيى .. ) إلى آخره.
(أمتع الله بوجوده ونفع بعلمه وجُوده. آمين).
هذه الأوصاف كما ذكرنا ليست من نفس المؤلف رحمه الله تعالى؛ لأنه يُعتبر من تزكية النفس وهو بعيدٌ عن ذلك.