للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ:

قال المصنف رحمه الله تعالى: (ومن الاصطلاحات المنطقية) (التَّنَاقُضُ).

وقد أَخذ في بيانه رحمه الله تعالى.

(من الاصطلاحات المنطقية المتعلِّقة بالقضايا) ولذلك يُعبِّر بعضهم: باب القضايا وأحكامِها، والمراد بأحكام القضايا بعد تقسيمها التقسيمات السابقة يبيِّن ما يتعلق بها.

ما يتعلق بها من الأحكام يُذكر في بابين: الباب الأول التناقض، والباب الثاني العكس المستوي.

ونحاول أن نأخذ إن شاء الله هذين البابين.

(ومن الاصطلاحات المنطقية) (التَّنَاقُضُ).

وقد أخذ -يعني: شرع- في بيانه رحمه الله تعالى فقال: (التَّنَاقُضُ: هُوَ اخْتِلاَفُ قَضِيَّتَينِ بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأُخْرَى كَاذِبَةً.

كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ. زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ).

(التَّنَاقُضُ) مأخوذٌ من النَّقْض، وهو الإزالة.

فالمناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي ظاهرةٌ؛ إذ فيه إزالةٌ أيضاً، وقُدِّم على العكس لتوقُّفِ بعض أدلته عليه. كما سيأتي أن إثبات بعض العُكوس يتوقف على التناقض، فإذا توقف عليه حينئذٍ يلزم من ذلك أن نقدِّم التناقض على العكس.

إذاً: لماذا قُدِّم التناقض على العكس؟

نقول: لأنَّ توقُّف بعض أدلة العُكوس مبنيٌ على التناقض.

(ووجهُ الحاجة إليهما) كما ذكره ابن الحاجب -يعني: التناقض والعكس- (أنه لما كان الدليل قد يقوم على إبطالِ الشيء والمطلوبُ نقيضُه.

وقد يقوم على الشيء والمطلوب عكسُه، احتيج إلى تعريفهما.

فمن الأول -يعني: ما يقوم الدليل على إبطال الشيء والمطلوبُ نقيضُه- قولك في قياس الخَلْف: لو لم يكن هذا حيواناً لم يكن إنساناً، لكنه إنسان فهو حيوان. هذا المطلوب لم يقم الدليل ابتداءً عليه، بل على إبطال نقيضه بنفي لازمه، فلزِم صدقُه.

ومن الثاني ما ذكروه في الأشكال الثلاثة غير الأول مِن ردَّها للأول بالعكس).

ولذلك في باب المناظرة -وهذا يحتاجه المُناظِر-: أنه قد يُثبِت قولَه بإبطال نقيض قوله. يعني: لا يتعرض لقوله هو.

ولذلك يُنظر هذا كذلك في كتب الأصول، وفي كتب الفقه أحياناً: أنه إذا أراد أن يبطل قولاً لا يتعرض لقوله، وإنما يأتي لنقيضه فيبطله، فإذا أبطله حينئذٍ تعيَّن قولُه هو.

وكذلك الشأن في العكس.

حينئذٍ لا يبحث في قوله، وإنما ينظر في عكسه فيُثبتُه، فإذا أثبتَه حينئذٍ لزم منه صدق الأصل .. أن يلزم من صدق الأصل صدق العكس، وهذا يستفاد منه في باب المناظرة، وهذا كثيرٌ عند أربابها.

(واعلم أن أنواع التقابل أربعة) التقابل بين الأشياء هي أربعة.

(ودليل الحصرِ: أنَّ المتقابلين إن كانا وجوديين) ليس بين عدمي ووجودي، إنما وجوديان.

(فإن أمكن تعقُّل أحدِهما دون الآخر فضِدان) كالبياض والسواد متقابلان، وجوديان، أمكن تعقُّل البياض دون تعقُّل السواد والعكس، هذا يسمى بالضد فهما ضدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>