للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: ارتسامُ المعنى فيه، فإن التصور -كما مر معنا-: هو حصول صُورة الشيء في النفس (لاَ يَمْنَعْ نَفْسُ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ) إذا تصوَّرَه العاقل -النفس العاقلة- تصوَّر مفهوم هذا المفرد (وَقَوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ) بحيث يصح حملُه على كل فردٍ من أفراده حمْلَ مواطئة.

ما معنى مواطئة؟ يعني: موافقة، احترازاً عن حمل الإضافة والاشتقاق.

فعندنا ضابطان: إما أن يُنظر إلى المعنى، وإما أن يُنظر إلى الاستعمال. إذا أردتَ أن تحكم على الشيء بأنه كُلّي أو لا، وضابطها ما أسهلهما.

الأول: أن تنظر في المعنى. هذا المعنى: حيوان ناطق، هل هو يختص بواحدٍ من الأفراد أم العدد؟

إن كان الثاني فهو الكلِّي، العقل لا يمنع أن يتعدد فيه، أن لا يختص هذا المعنى بفردٍ دون سائر الأفراد.

النوع الثاني "في الحُكم على الكلِّي بأنه كُلّي": أنه يصح أن تنظر إلى الأفراد وتخبِر عنه باللفظ، فإن صح فهو كُلّي وإلا فلا.

إذا قلتَ مثلاً: إنسان. لو نظرنا إلى المعنى السابق: ما لا يمنع تعقُّل مدلوله من وقوع الشرِكة فيه.

إنسان معناه: حيوان ناطق، حيوان ناطق هذا لا يختص بزيد ولا عمرو، بل كل ما هو فردٌ تحت هذا اللفظ، حينئذٍ يصدُق عليه أنه إنسان.

عند الاستعمال ماذا تقول؟ تقول: أفراد زيد، وعمرو، وبكر .. إلى آخره.

فتأتي بالآحاد فتجعلُه موضوعاً –مبتدأً-، وتأتي باللفظ الذي تريد أن تحكم عليه بأنه كُلّي تجعله خبراً. فتقول: زيدٌ إنسانٌ، عمروٌ إنسانٌ، بكرٌ إنسانٌ .. إلى الصباح، صح أو لا؟ صح.

حينئذٍ إذا صحَّ نقول: هذا كُلّيٌّ، وهذا الذي عناه: (بحيث يصح حملُه) حَمْل الكلِّي (لفظاً) من حيث اللفظ (على كل فردٍ من أفراده حملَ) مواطئة يعني: بدون واسطة .. مباشرة؛ احترازاً عن الاشتقاق أو الإضافة.

قالوا: عِلْم ... تصور العلم في الذهن لا يمنع الشرِكة، وحينئذٍ تقول: النحوُ علمٌ، والتفسير علمٌ، والحديث عِلمٌ، والطب علم، والهندسة علم .. إلى ما شاء الله.

إذاً: كُلِّي؟ كُلّي. لماذا؟ لا يمنع تعقله من وقوع الشركة فيه، لكن: مالِك "الإمام مالك رحمه الله تعالى" عِلمٌ؟ ماذا تقول؟ عالم، جئتَ بالاشتقاق، جئت بمادة عِلم الذي هو المصدر واشتققتَ منه اسم فاعل وقلت: عالم.

أو تقول: مالكٌ ذو علمٍ بالإضافة، هنا صح الحملُ أو لا؟ صح الحمل، حملتَ العلم على مالك وقلتَ: مالكٌ عالم، أبو حنيفة عالم، أحمد عالم .. إلى آخره.

أو مالكٌ ذو علمٍ، أبو حنيفة ذو علم .. إلى آخره، صح الحمل، كما صح: النحو علم، والتفسير علم .. إلى آخره.

لكن عِلمٌ صح حملُه على التفسير ونحوه -الذي هو الفنون- مباشرة، هذا يسمى حمل مواطئة، وأما على الأشخاص فلم يصح مباشرة إلا بواسطة إما الاشتقاق كعالِم أو بالإضافة كذي علم.

حينئذٍ عِلم باعتبار الفنون كُلِّي، وباعتبار الأشخاص جزئي لانتفاء الشرط؛ لأن الشرط هنا الذي يتحقق في الحكم عليه بكونه كلياً أن يُحمَل عليه مباشرة دون واسطة اشتقاق ولا إضافة.

وأما مالكٌ عالم أو ذو علمٍ لم يُحمل مباشرة وإنما حُمِل بواسطة إما الاشتقاق وإما الإضافة، وحينئذٍ نقول: باعتبار الأشخاص هو جزئيٌ وباعتبار الفنون هو كُلِّيٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>