للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لماذا مؤخراً؟ قالوا: لفائدتين، ذَكر إحدى الفائدتين وهي الحصر، والحصر هو: إثبات الحكم في المذكور ونفيُه عما عداه، هذا مهمٌ حتى في قواعد التفسير.

حينئذٍ ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:٥] قدَّم ما حقُّه التأخير فأفاد القصر والحصر ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:٥].

((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:٥] ما وجهُ الحصر هنا؟ في تقديم ما حقّه التأخير، ما هو الذي حقه التأخير هنا؟ المفعول وهو إيَّاك .. إيَّا والكاف هذا حرف خطاب.

فالمعنى حينئذٍ يكون: لا نعبدُ إلا إيَّاك. إثبات ونفي، حصرنا ونفينا، حصرنا العبادة في الباري جل وعلا، ونفينا العبادة عن كل ما سوى الباري جل وعلا، هذا يسمى حصراً.

هنا كذلك قال: بسم الله الرحمن الرحيم أبتدئ. على ما ذكره المصنف، حينئذٍ باسم الله لا باسم غيره، هذا فيه تحقيق للاستعانة، وإن شئت قل: توحيد الاستعانة لأن الباء هنا للاستعانة، هذا معنى لطيف يستحضره من يُبسمل بأنه يقدِّر في نفسه ما جعل البسملةَ مبدأً له وأنه مؤخَّر، وأن الاستعانة هنا محصورة في الباري جل وعلا، ومنفية عمَّا سواه ولذلك قال: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:٥].

إذاً: بسم الله الرحمن الرحيم مثل: إيَّاك نستعين. إيّاك نستعين .. نستعينُك، (إيَّاكَ) أي: لا نستعين إلا بك، وهنا لا نستعين إلا بالله تعالى؛ لأن الباء هنا للاستعانة.

الأمر الثاني الذي يُزاد: بأن التقديم قد لا يكون للحصر وإنما يكون للاهتمام بالشيء؛ لئلا يتقدم عليه لفظٌ آخر، وهنا كذلك لئلا يتقدم على اسم الباري جل وعلا شيء قدَّمه، فحينئذٍ تكون للفائدتين.

وَقَدْ يُفِيدُ فِي الجَمِيعِ الاِهْتِمَامْ

تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ ... بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوَابُ فِي المقَامْ

مُؤَخَّرًا ........................

هذا ذكره السيوطي في عقود الجمان.

يعني: من فوائد تأخير متعلَّق الجار والمجرور هنا في البسملة أنه يفيد الاهتمام.

وَقَدْ يُفِيدُ فِي الجَمِيعِ الاِهْتِمَامْ

تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ

تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ اقْرَا ..... ... بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوَابُ فِي المقَامْ

مُؤَخَّرًا، فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ

((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)) [العلق:١] لماذا قُدِّم؟

نقول: لأن القراءة هنا هي الأهم، وإذا كان كذلك فحينئذٍ بلاغةُ الكلام أن تطابِق مقتضى الحال، فمقتضى الحال هنا جبريل عندما جاء "كما جاء في سبب النزول" إنما أراد ابتداءً ليس أن يحقق الاستعانة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما المراد أن يقرأ {اقرأ، ما أنا بقارئ .. } إلى آخره.

إذاً:

..........................

تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ

تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ اقْرَا فَهُنَا ... .. وَمِنْ ثَمَّ الصَّوَابُ فِي المقَامْ

مُؤَخَّرًا، فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ

كَانَ القِرَاءَةُ الأَهَمَّ المُعْتَنَى

إذاً: لهذين السببين نقول: يتعيَّن أن نجعل المتعلَّق "متعلق الجار والمجرور" مؤخراً لا مقدماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>