للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذاً: فعيل بمعنى محبوب أو مُحِب، هذا جَمعَ بين اللغتين:

إما أن يقال: مُحِب مُحَب من أحب. وهذا المشهور وهو الفصيح.

وإما أن يقال: حابٌ فاعلٌ حابِبٌ أو محبوب، فيكون من الثلاثي الذي هو حَبَّ وهذا واضحٌ بيّن.

أحباب الله إما أن يراد بهم مطلق المؤمنين، كل مؤمن ويحبه الله تعالى، أو يراد به خواص المؤمنين، لكن الأول هو الذي يكون ظاهراً.

قال هنا: وأحبّه جمع حبيب، فعيل بمعنى مفعول أو فاعل أي: مُحِب أو مُحَب بفتح الحاء أو كسرها، فهو من الثلاثي المزيد يعني: أَحَبَّ.

أو حابٌ ومحبوبٌ إن كان من الثلاثي المجرد أعني: حبَّ، وهي لغةٌ في أحبَّ.

(منح أحبته باللطف) وهو الرأفة والرفق (والتوفيق) عطَفه عليه عطف مغايرة وهو كذلك.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقد أجمع العارفون بالله على أن الخذلان أن يكلك الله إلى نفسك ويُخلّيَ بينك وبينها.

والتوفيق يقابله .. أن لا يكلك الله إلى نفسك، وإنما تكون الهداية هداية الإرشاد وهداية التوفيق.

قال: (ويسَّر لهم سلوك سبيل التصور والتصديق).

يسّر يعني: سهَّل، هذا تفعيلٌ من اليُسر وهو ضد العسر.

(يسَّر لهم) لمن؟ للأحبّة المذكورين، مطلق المؤمنين أو خواصهم.

(سلوك سبيل التصور) سلوك المراد به المرور والدخول، يقال: سلكتُ الشيء في الشيء سلكاً فانسلك أي: أدخلتُه فيه فدخل فيه، هذا على المشهور.

وفيه لغة أخرى: سلكتُه سلوكاً.

(سبيل التصور) سبيل يعني: طريق، والسبيل يُذكَّر ويؤنَّث، ومنه ((وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ)) [الأنعام:٥٥] قراءتان والشاهد الذي معنا: ((وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ)) [الأنعام:٥٥] القراءة المشهورة.

تستبينَ سبيلُ، سبيلُ هذا فاعل، تستبينَ أنتَ سبيلُ، قد يظن الظان هكذا لا، ليس هذا المراد، التاء هذه تاء التأنيث -تأنيث الفاعل- مثل: تضربُ هندٌ زيداً، "وَتَاءُ تَأْنِيْثٍ تَلِي الْمَاضِي"، وإذا كانت في المضارع تأتي أولاً: تضربُ هندٌ زيداً، تضربُ لماذا جاء بالتاء هنا؟ نقول: هذه التاء تاء التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث، ولا يصح أن يقال: يضربُ هندٌ إنما يقال: تضربُ هندٌ.

هنا الفاعل جاء مؤنثاً: تستبين سبيلُ الفاعل هنا مؤنث وهو مجازي التأنيث، حينئذٍ أنَّث الفعلَ قال: تستبينُ بالرفع، سبيلُ يعني: تظهر سبيل المجرمين. فلا يشكل كيف جاء تستبينُ والظاهر أنه للمخاطب وليس المخاطب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه القراءة.

إذاً: "السبيل" الطريق يُذكَّر ويؤنث، ويُجمع المذكَّر على سُبُل بضمتين، والمؤنث على سُبُول.

قال هنا: (ويسّر لهم سلوك سبيل التصور والتصديق) هذا قلنا فيه براعة استهلال، براعة الاستهلال أن يأتي بشيءٍ مما يدل على المقصود، يعني يأتي بعبارة، يأتي بمصطلح في فن المنْطِق فيَذكُره في المقدمة ليُشير للقارئ ابتداءً أن هذا الكتاب في فن المنْطِق. وهو واضحٌ بيّن.

هنا المصنف لعله أراد أن يشير بالتصور والتصديق إلى كون المصنف "إيساغوجي" في كتابه لم يذكر باباً يُعتبر مقدمة مهمة في علم المنْطِق ابتداءً، هو ليس داخلاً في الموضوع لكنه لا بد منه، وهو ما يتعلق بتقسيم العِلْم إلى تصور وتصديق.

<<  <  ج: ص:  >  >>