للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عند الأصوليين بعضهم خص العلم بالإدراك التصديقي فأَخرج الإدراك التصوري فلا يُسمى علماً. وهذا هو المشهور.

ومنهم من جعل التصديق على نوعين: جازم وغير جازم، فخَص العلم بالجازم. وهذا المشهور عند الأصوليين على جهة الخصوص وهو ما عرَّفه به الفخر الرازي في كتبه وتبعه كثير من الأصوليين، فحينئذٍ ثم فرقٌ بين التعريفين.

يرِد السؤال هنا: الظن هل هو نوعٌ من العِلم عند الأصوليين أو مقابِلٌ له؟

مقابلٌ له؛ لأنه ليس بجازم، وعند المناطقة نوعٌ من العلم.

الجهل المركب عند الأصوليين هل هو نوعٌ من العلم أو مقابلٌ له؟

مقابلٌ له.

وعند المناطقة نوعٌ من العِلم.

إذاً: الذي يجمع هذه الأقسام كلها -وقل ما شئت، التَّعداد أكثر مما ذكرنا- هو أن نقول: العِلم هو إدراك المعاني مطلقاً.

ولذلك في بعض كتب الأصوليين كمختصر التحرير يقول: يُطلق العلم ويرادف المعرفة، ويطلق العلم ويشمل التصور، ويطلق العلم على التصديق الظني، ويطلق العلم ويراد به التصديق الجازم. يعني له استعمالات، فكأنهم خصَّوا لفظ العلم بالتصديق الجازم ثم قالوا: يطلق على التصور أنه علم ويطلق على التصديق غير الجازم أنه علم.

وهذا يؤكد أن مذهب المناطقة ما اختاروه في تعريف العلم هو الأصح، وهو المرادف لمعنى العلم عند أهل اللغة، وهذه التقسيمات التي ذكرها الأصوليون إنما هي اجتهادات شخصية بمعنى أنها اصطلاحات.

فالعلم من حيث كونه إدراكاً جازماً. نقول: هذا اصطلاح الأصوليين وليس هو المعنى اللغوي، وإنما جاء في لسان العرب وفي القرآن وفي السنة إطلاق العلم هكذا، حينئذٍ يُنظر في القرائن هل المراد به التصور؟ هل المراد به التصديق الظني؟ هل المراد به التصديق الجزم أو لا؟ فننظر في كل تركيبٍ على حِدة.

وأما المعنى اللغوي الصحيح للعلم فهو إدراك المعاني مطلقاً، فالتصور في لسان العرب يسمى عِلماً حقيقة لا مجازاً كما هو الشأن عند الأصوليين، والظن يسمى عِلماً، وكذلك التصديق الجازم يسمى عِلماً، والتصديق الظني يسمى علماً.

يؤكِّد هذا: أن الأصوليين خصَّوا اللفظ بمعنى ثم قالوا: يطلق العلم ويراد به الظن، يُطلق العلم ويراد به التصديق الظني .. إلى آخره.

نقول: هذه الإطلاقات تدل على ماذا؟ لأنهم يستدلون عليها بلسان العرب، ويأتون بآيات ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)) [الممتحنة:١٠] قالوا: المراد به الظن هنا، طيب هذا لسان العرب .. هذا قرآن، فأطلق العلم وأراد به الظن، إذاً: الظن نوعٌ من العلم.

وهذا يتحدد على تعريف المناطقة لا تعريف الأصوليين، إذاً: أصاب المناطقة في هذا الموضع.

إذاً: مطلق الإدراك هنا يشمل الجازم وغير الجازم، ويشمل المطابق للواقع وغير المطابق للواقع، فشمل حدُّ العلم هنا الظن، والجهل المركب، والنسبة المشكوك فيها، والنسبةَ المتوهمة. إذاً: هذا تعريف العلم عند المناطقة.

ينقسم العلم عند المناطقة إلى نوعين على جهة الإجمال، وما مضى يدخل تحته، حينئذٍ نقول: العلم إما تصورٌ وإما تصديقٌ.

التصور عند المناطقة له استعمالان .. لفظ التصور؛ لأنه قد يطلِق بعضهم التصور بمعنى عام، ويطلق بعضهم التصور بمعنى خاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>