للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُوْدِ ... أَنْ تُدْخَلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُوْدِ

لماذا؟

لأن التصور إنما يفيد كشف المعنى الذي ينطوي تحت اللفظ فحسب. ما المراد بالفاعل، ما المراد بالعام، ما المراد بالخاص، ما المراد بالناسخ، المنسوخ .. إلى آخره.

فتبين المعنى المراد بهذا اللفظ، ثم بعد ذلك تحكم عليه بما شئت.

فهذا يسمى تصوراً، لكنه تصور بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم؟ بالمعنى الأخص الذي هو إدراك المفرد "يعني: إدراك معنى المفرد" من غير تعرُّضٍ له بإثبات شيءٍ ولا بنفي؛ لأن الحكم دائرٌ بين أمرين: إما إيجاب وإما سلب، تتصور معنى زيد فقط، وتتصور معنى قائم دون أن تثبت القيام لزيد، يسمى تصوراً وهو إدراكٌ المفردات.

قال هنا: (التصور المطلق) إذا: التصور له استعمالان، هذه كلها ستأتي معنا من أول الكتاب إلى آخره، التصور والتصديق والموضوع والمحمول والمقدم والتالي .. كلها، فهي أساس هنا، لا بد من فهمها.

(التصور المطلق هو حصول صورة الشيء في النفس).

يقابل التصور المطلق هذا: التصور بالمعنى الأخص، يسميه بعض أرباب المنْطِق بالتصور الساذَج بفتح الذال وهي معرَّبة –ساذَج-، يسمى بالتصور الساذَج يعني: من السذاجة التي ليس معها شيء، يقال: إنسان ساذج يعني ليس عنده شيء.

هنا اللفظ المفرد ليس معه شيء ساذج، بمعنى أنه لم يترتب عليه حكمٌ لا بالإيجاب ولا بالسلب.

وهو التصور المقيد بعدم الحكم.

والنفس هي القوة العاقلة أو القوة المدرِكة التي هي محل الإدراكات، وبعضهم يطلق عليها العقل تجوُّزاً .. يسمي النفس العقل.

والمشهور الفصل بين العقل والنفس، فتُجعَل النفس هي محلٌ للإدراكات، والعقل آلتها.

والتصور تفعُّلٌ من الصورة "يعني: وزنُه" لأن المدرِك لحقائق الماهيات تنطبع صورتُها في مرآة ذهنه. يعني: لماذا سُمي تصور؟ هذا من باب فلسفة اللفظ: لماذا سُمي تصور؟

قال: تفعُّل من الصورة، ما هي الصورة؟ الصورة التي هي المثال .. الصورة في اللغة المثال، هكذا قال في القاموس.

أكثر أهل اللغة على ذلك، الصورة هي المثال، والمثال عُرِّف كذلك بالصورة، حينئذٍ صورة الشيء "يعني مثالُه" ينطبع في الذهن.

كما أن الصورة المحسوسة تنطبع في المرآة الحسية كذلك الذهن يُعتبر مرآة معنوية للمعاني فتنطبع فيها المعاني كما تنطبع صورتك في المرآة الحسية. هذا معنى صحيح.

فالمرآة نوعان: مرآة حسيَّة وهي المحسوسات، ومرآة معنوية وهي للمعقولات.

فلذلك سُمِّي تصوراً تفعُّلاً من الصورة؛ لأن المعنى كأنه صار صورة محسوسة ينطبع كما أنك ترى صورتك في المرآة المحسوسة كما هي لا تزيد ولا تنقص، كذلك المعنى ينطبع في الذهن لا يزيد ولا ينقُص. وهذا تشبيهٌ جميل.

والتصور المطلق مرادفٌ للعِلم عند المناطقة، وعليه فينقسم هذا التصور إلى نوعين: تصور ساذَج وتصديق.

إذاً: العلم ينقسم إلى نوعين: تصور وتصديق، لمَّا ذكرنا التصور لا بد أن نذكر له استعمالاً آخر وهو أن التصور يُستعمل مرادفاً للعلم عند النحاة، وهل هذا هو المراد في التقسيم؟ الجواب: لا، وإنما المراد به التصور المقيَّد بعدم الحكم.

الذي يقابله يسمى تصديقاً؛ لأن إدراك المعاني إما أن تُدرِك معنًى مفرداً أو تدرك معنى مركباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>