لم تنجب الأمة في قرونها الوسطى علماءً ربانيين محققين مثلما أنجبت شيخ الإسلام ابن تيمية [٦٦١ - ٧٢٨هـ]. وتلميذة الإمام الرباني الملهم ابن القيم الجوزية [٦٩١ - ٧٥١هـ] حيث فتح الله عليهما في علم السلوك -ذلك العلم الرباني العظيم- فتحاً نادر الطراز والمضمون -كما لا يخفى. ولقد حرّرا فيه تحريراً بليغاً حتى لم يخلّ مؤلف لهما على الوجه الأغلب من بسطه والحديث عنه بما لم يدعا في تحريرهما له لقائل مقالاً- فعليهما من الله الرحمة والرضوان-.
ولذا أصبحت كتبهما منهلاً عذباً للسالكين إلى الله على بصيرة بصدق وعزم وإخلاص ..
وكلما امتد بساط الزمن كلما اتسع السلوك اللامنهجي لدى كثير من السالكين بسبب ما قد يعرض لهم من القواطع الدنيوية والمادية الصاخبة، مما يتيهون بسببها عما يرشدهم إلى إتمام سلوكهم بسلام عبر الاطلاع العلمي الدائم على إرشادات العلم السلوكي القويم؛ مما يجعلهم حينذاك بمسيس الحاجة إلى من يوجز لهم العبارة ويستخلصها من مهمات علم السلوك .. ليسترشدوا بها في السلوك إلى الله على بصيرة .. والوصول إليه بسلام .. وهنا .. وفي أمسّ ما يكون السالكون في الحاجة إليه .. أتى هذ الكتاب -والذي هو بين يديك- ليوجزها لهم باستلخاصها من مضانها الكامنه في مؤلفات هذين العلمين الربانيين العظيمين/ شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وغيرهما ليبقى الضالة المنشودة لأولئك السالكين. حىت أصبح هذا الكتاب من أروع ما جُمع في ذلك العلم الرباني العظيم، والذي يعني: السير إلى الله على صراط مستقيم، بصيرة نافذة، تكمن في توحيد خالص وعبودية حقه. وهذا هو معنى علم السلوك والذي يثمر ما أحسن المؤلف في ذكره في آخر مقدمته.
هذا؛ وقد أوقف سادات الأولياء هممهم الباذخة على دراسة هذا العلم الرباني وتطبيقه تطبيقاً علمياً بصدق وإخلاص، مما حدا ببعضهم إلى أن يعترف بالحقيقة التي حضي عليها بهذا العلم قائلاً:(لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف)، وغير ذلك كثير -كما ذكر المؤلف في كتابه- وجرب لترى الحقيقة بعينها كما رأوها هم كذلك.
وها هو ذا الكتاب -الذي بين يديك- فاسترشد به على رؤية الحقيقة التي رآها أولئك ليعينك -بمعونة الله وتوفيقه- على رؤيتها بعينها.
فجزى الله مؤلفه وجامعه فضيلة الشيخ/ عبد الكريم بن صالح الحميد- على ما ألفه وجمع خير ما يجزي محسناً على إحسانه، كما نسأله -سبحانه وبحمده- أن ينفع به عموم المسلمين وهو الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.