للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفرد الثقة مطلقا والثالث تفرد الراوي مطلقا ورد الأخيرين فالظاهر أنه أراد هنا الأول، قال شيخ الإسلام: وهو مشكل لأن الإسناد إذا كان متصلا ورواته كلهم عدولا ضابطين فقد انتفت عنه العلل الظاهرة ثم إذا انتفى كونه معلولا فما المانع من الحكم بصحته فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا لا يستلزم الضعف بل يكون من باب صحيح وأصح. قال: ولم يرو مع ذلك عن أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة وإنما الموجود من تصرفاتهم تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة وأمثلة ذلك موجودة في الصحيحين وغيرهما فمن ذلك أنهما أخرجا قصة جمل جابر من طرق وفيها اختلاف كثير في مقدار الثمن وفي اشتراط ركوبه وقد رجح البخاري الطرق التي فيها الاشتراط على غيرها مع تخريج الأمرين ورجح أيضا كون الثمن أوقية مع تخريجه ما يخالف ذلك ومن ذلك أن مسلما أخرج فيه حديث مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة في الاضطجاع قبل ركعتي الفجر (١) وقد خالفه عامة أصحاب الزهري كمعمر ويونس وعمرو ابن الحارث والأوزاعي وابن أبي ذئب وشعيب وغيرهم عن الزهري فذكروا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح ورجح جمع من الحفاظ روايتهم على رواية مالك ومع ذلك فلم يتأخر أصحاب الصحيح عن إخراج حديث مالك في كتبهم وأمثلة ذلك كثيرة. ثم قال: فإن قيل يلزم أن يسمى الحديث صحيحا ولا يعمل به قلت لا مانع من ذلك ليس كل صحيح يعمل به بدليل المنسوخ قال وعلى تقدير التسليم إن المخالف المرجوح لا يسمى صحيحا ففي جعل انتفائه شرطا في الحكم للحديث بالصحة نظر بل إذا وجدت الشروط المذكورة أولا حكم للحديث بالصحة ما لم يظهر بعد ذلك أن فيه شذوذا لأن الأصل عدم الشذوذ وكون ذلك أصلا مأخوذ من عدالة الراوي وضبطه فإذا ثبت عدالته وضبطه كان الأصل أنه حفظ ما روي حتى يتبين خلافه].

وسوف يأتي - بمشيئة الله - الكلام على الشاذ في موضعه من الرسالة، وإنما الغرض هنا التنبيه. والله أعلم.،


(١) - أي بعد ركعتي الوتر.

<<  <   >  >>