للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثالث: ظاهر عبارة الإمام الذهبي أن المحدثين يشترطون في الحديث الصحيح خلوه من العلة مطلقاً، بمعنى أنهم يعللون الحديث بمطلق العلة، مع أنه قد قال في الموقظة: (فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه، ويخالفه واه، فليس بمعلول. وقد ساق الدارقطني كثيراً من هذا النمط في كتاب العلل فلم يصب، لأن الحكم للثبت) فهذا صريح منه في أن بعض العلل غير مؤثرة وأن الحديث مع وجود مثل هذه العلل ليس بمعلول.

وقال ابن حجر في النكت (١/ ٢٣٦): [ويحتمل إنه - أي ابن الصلاح - إنما لم يقيد العلة بالقدح في نفس الحد ليكون الحد جامعاً للحديث الصحيح المتفق على قبوله عند الجميع، لأن بعض المحدثين يرد الحديث بكل علة سواء كانت قادحة أو غير قادحة]. فقوله: (بعض المحدثين) صريح في بيان أن البعض الآخر من المحدثين لا يشترطون خلو الحديث الصحيح إلا من العلة القادحة.

وقد أطلق الخليلي أيضاً العلة على غير القادح وقسم الصحيح إلى معلول، وغير معلول حيث قال في الإرشاد (١/ ١٥٧ وما بعدها): [اعلموا رحمكم الله أن الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقسام كثيرة: صحيح متفق عليه، وصحيح معلول، وصحيح مختلف فيه، وشواذ، وأفراد، وما أخطأ فيه إمام، وما أخطأ فيه سيئ الحفظ يضعف من أجله، وموضوع وضعه من لا دين له ... فأما الحديث الصحيح المعلول فالعلة تقع للأحاديث من أنحاء شتى لا يمكن حصرها فمنها أن يروي الثقات حديثا مرسلا وينفرد به ثقة مسندا فالمسند صحيح وحجة ولا تضره علة الإرسال ومثاله حديث رواه أصحاب مالك في الموطأ عن مالك قال بلغنا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للملوك طعامه وشرابه ولا يكلف من العمل ما لا يطيق ورواه إبراهيم بن طهمان الخراساني والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني عن مالك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ... فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحا يعتمد عليه وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت وكان مالك - رحمه الله - يرسل أحاديث لا يبين إسنادها وإذا استقصى عليه من يتجاسر أن يسأله ربما أجابه إلى الإسناد ... إلى آخر ما ذكر من أمثلة]. وراجع هنا أيضاً ما سبق ذكره

<<  <   >  >>