للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: هو التفصيل: فإذا كان هذا الراوي روى حديثاً يؤيد بدعته فهنا لا يقبل، وأما إذا روى حديثاً لا يؤيد بدعته فيقبل , وهذا التفصيل قال به إبراهيم بن إسحاق الجوزجاني كذلك، واختاره كثير من المتأخرين ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.

القول الثالث: أن البدعة لا تؤثر على الراوي. إذا ثبت أنه حافظ ضابط وصادق ليس بكاذب، وهذا قول جمهور النقاد، جمهور المتقدمين وعلى رأسهم" الإمام علي ابن المديني ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان" وغيرهم، وعلى هذا المذهب البخاري ومسلم والترمذي والنسائي" وغيرهم من أهل العلم بالحديث.

ومن ذلك: أن مسلم بن الحجاج - رحمه الله - خرج من طريق عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: " إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " وعدي بن ثابت" موصوف بأنه قاص الشيعة. ولا شك أن هذا الحديث قد يكون فيه تأييد لبدعته. وهو لا يدل على ذلك. ومع ذلك خرج الإمام مسلم هذا الحديث له من طريقه ... فأقول إن القول الثالث هو القول الصحيح لأنه:

أولاً: قول المتقدمين من أهل العلم بالحديث.

ثانياً: أنه الذي جرى عليه العمل.

ثالثاً: أنه الذي يدل عليه الدليل وذلك أنا قد وثقنا هذا الراوي فيما يتعلق بضبطه وحفظه (١)، ولم نجد له حديثاً منكرا. فحكمنا على هذا الراوي أنه ثقة إذاً علينا أن نقبل روايته سواء كانت هذه الرواية تتعلق ببدعته أو لا وأما القول بأن الراوي إذا روى حديثاً يؤيد بدعته أنه يرد حديثه وإذا روى حديثا لا يؤيد بدعته فإنه يقبل حديثه، فهذا قول فيه تناقض وتدافع، وذلك لأنك قد حكمت عليه بأنه ثقة فيلزم من هذا قبولك لحديثه، وإما إذا رددت حديثه فيما يؤيد بدعته فهذا مصير منك إلى عدم القول بثقته، وإلى الشك في ثقته، وإلى إمكان كذبه وإتيانه بشيء


(١) - لاحظ أن العدالة الدينية هي الاستقامة في الدين، واما العدالة في الرواية فهي تتعلق بحفظ الرواة وضبطهم لما يرونه، وهي المقصودة هنا.

<<  <   >  >>