للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقول لك: كما بُشِّر إبراهيم بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وزكريا بيحيى، فإنَّ إبراهيم وزكريا كانا قد كبرا، فلذلك بُشِّرا؛ لأنَّ مجيء الولد للكبير خلاف المعتاد، فبُشِّرا بخلاف المعتاد.

وكذلك مريم عليها السلام، لمَّا كان الولد من غير أبٍ كان خلاف المعتاد= بُشِّرت على خلاف المعتاد.

قال المخذول: لم سُمِّي المسيح؟ أقوال، في الجملة أنَّه مسح بدهن كان يمسح به الأنبياء، ما حكمة التخصيص بالتسمية، وقد حصل لكلِّهم واحيرتاه!

أقول: أيها المخذول، نعوذ بالله من الخذلان الذي أصبح يريك الهباء في أجرام الجبال، ما منعك أن تقول: المَسْح في اللُّغة يطلق على أن يخلق الله الشيء مباركًا، ومنه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جرير بن عبد الله البجلي: "يطلع عليكم رجل عليه مَسْحَة ملَك، هو خير ذي يَمَن" (١).

فإن قلتَ: فليس الأنبياء جميعهم مباركين؟

قلتُ: بلى! أفليسوا كلهم عبيد الله، فلِمَ خُصِّصَ يعقوبُ بإسرائيل (٢).


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٥٩) وابن خزيمة (١٧٩٧) وابن حبَّان (٧١٩٩) والحاكم (١/ ٢٨٥)، وغيرهم، من حديث المغيرة بن شبل عن جرير رضي الله عنه.
قال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في "المجمع" (٩/ ٣٧٢): "رجاله رجال الصحيح".
(٢) أي: لأنَّ معنى "إسرائيل" في العبرانية: عبد الله، فإنَّ "إسرا" معناه: عبد، و"إيل": الله، كما هو مأثور عن ابن عباس وغيره. يُنظَر: "تفسير الطبري" (١/ ٥٩٣)، و"تفسير القرطبي" (٢/ ٦)، و"الدُّر المنثور" للسيوطي (١/ ٣٣٧ - ٣٣٨).

<<  <   >  >>