ولعلَّنا إن شاء الله يتيسَّر لنا [شرح] الآيات المتعلِّقة بأهل الكتاب جميعها [ ... بتفسيرها]، ولكني الآن في شغل. ومع ذلك فقد أجاب ابن حزمٍ، ورحمة الله، والنَّبهاني (١) عن آيات كثيرة وأحاديث، و [هوَّن عليَّ الأمر ... ] ظنِّي. كيف والآيات التي أيَّد الله بها رسوله محمَّدًا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا تحصى، وفيها مؤلَّفات خاصَّة، كـ"دلائل النبوَّة" للبيهقي، وغيره.
ويكفيك من هذا أنَّ يتيمًا من قريش نشأ بين أظهرهم بمكَّة، لم يشارك في شيءٍ من شؤونهم، وإنَّما رعى الغنم وشارك في التجارة ونحو ذلك، وكان بين قريش من صغره معروفًا بالصِّدق والأمانة، فلمَّا بلغ أربعين سنة بايَنَ قومَه كلَّ المباينة، وسفَّه أحلامهم وسبَّ آلهتهم وضلَّلهم وآباءهم، وعرَّض نفسه للإهانة والأذى، حتى بلغوا منه كلَّ مبلغٍ من الأذى، فلم يؤثِّر فيه ذلك.
ثم عادوا إلى استمالته وبذلوا له الأموال، وبذلوا له الملك، فلم يستخفَّه ذلك، ولا حادَ عن سبيله قِيد شعرةٍ، حتى ترامت به الأيَّام إلى هجر وطنه ومسقط رأسه، ولم يزل مجاهدًا في سبيل الله تعالى حتى أتمَّ الله تعالى دينَه.
ولم يُؤْثَر عنه شيءٌ ممَّا لا تخلو الملوك عنه من الجبروت والظلم والفساد في الأرض، بل كان نورًا كلُّه من أوَّله إلى آخره.
(١) لعلَّه يقصد كتاب النبهاني: "حُجَّة الله على العالمين في معجزات سيِّد المرسلين".