للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسلافهم، كمضر وربيعة وإياد وقضاعة؛ أو ملوكًا في بلادهم، كاليمن وعمان والبحرين قد ملؤوا الجزيرة، وهي نحو شهرين في شهرين.

فقام وحده ــ كما شرحنا ــ يضلِّل دينهم ويسفِّه أحلامهم ويسبُّ آلهتهم، فانقادوا كلهم لظهور الحق، وآمنوا به طوعًا، ونسوا ما كان بينهم من البغضاء والشحناء والتِّرات والذُّحول والاختلاف [الذي] لا يمكن بحسب العادة إزالته، فألَّف الله بينهم حتى صاروا إخوانًا كبني أب وأم، كما قال: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: ٦٣].

[وترك كل] منهم ملكه، مع ما لهم من القوَّة وكثرة الجيوش، ولم يكن بيده ما يرغب فيه من المال، بل دعاهم أن ينحطُّوا إلى غرم الزكاة وجري الأحكام عليهم وإقامة الحدود والأخذ للضعفاء من الأقوياء بكل فتيل ونقير.

فيا للعقلاء! أتنقاد هذه الأمم العظمى على هذه الكيفيَّة لغير برهان وبغير سلطان، ثم يستمر ذلك إلى آخر الزمان؟!

[ص ٣٩] [ومع ذلك] كله فلم يُؤْثَر عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كذبٌ ولا زورٌ؛ بل لمَّا كسفت الشمس وكان ذلك يوم موت ولده إبراهيم [وقال الناس:] "إنَّما كسفت الشَّمس لموت إبراهيم" فخرج مسرعًا، وخطبهم قائلًا: "إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنَّهما لا ينكسفان [لموت] أحدٍ ولا حياته" (١). فلو كان فيه أدنى شائبةٍ للهوى لترك الناس على


(١) أخرجه البخاري (١٠٤٠) ومسلم (٩٠١)، من حديث عدَّة من الصحابة رضي الله عنهم.

<<  <   >  >>