أقول: لستُ الآن في صدد الرَّدِّ، وإنَّما الحديث الذي ساقه:"ما فضلكم أبو بكر .. الخ" على علَّاته من الواضح أنَّ المراد به غير ما ذكر، وإنَّما الشيء الذي وَقَر في صدره هو معرفة نفسه بالعجز والضعف، [ص ١٠] كما رُوِيَ عنه - صلى الله عليه وسلم - في الدُّعاء:"اللَّهم لا تَكِلْني إلى نفسي، فإنَّك إن تَكِلْني إلى نفسي تَكِلْني إلى ضعفٍ وعَورةٍ وذَنْب". أو كما قال (١).
فلمَّا عرف سيِّدنا أبو بكر نفسه حق المعرفة بالضَّعف والعجز ونحوهما من الأوصاف انتقل من ذلك إلى حقيقة الإيمان بالله تعالى، صفات الجلال والجمال والكمال؛ فإنَّ الإنسان إذا عرف نفسه بالعبودية فقد عرف ربَّه بالربوبيَّة، وكلما ازدادت معرفته لنفسه بحقيقتها، من الضعف والعبودية والعجز في الصورة= ازدادت معرفته وإيمانه بربوبية الله تعالى وقوَّته وقدرته وجلاله.
وهذا معنى الحديث الآخر الذي ذكره، أعني:"مَن عرف نفسه فقد عرف ربَّه" كما هو واضح.
إلى أن قال بعد كلام طويل:"وتحتاج هذه إلى الكتم والخمول حتى يريد الله بالظهور". وهذا يدلُّ على أنَّ قصد هؤلاء القوم بثُّ دعوتهم، ثم إظهارها وإثارة فتنة، عكس مقاصد أهل الله، الذين إنَّما قصدهم إصلاح
(١) أخرجه أحمد (٥/ ١٩١)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٦٩٧)، وغيرهما، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه بنحوه. قال الحاكم عقبه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ١١٣): "رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وُثِّقوا، وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف".