للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى كما يقول ابن حجر في الفتح: النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب علي العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطى ولا يحسب.

فلنجعل رمضان وسيلة للتعود على الكرم والجود والسخاء، فلا نبخل علي الله بأموالنا ولا أوقاتنا ولا جهدنا، ولنضح بها بغير حساب.

جاء في شعب الإيمان للبيهقي أن يزيد بن مروان جاءه مال فجعل يصره صرراً ويبعث به إلي إخوانه ويقول: إني لأستحي من الله عز وجل أن أسأل الجنة لأخ من إخواني ثم أبخل عليه بالدينار والدرهم.

[٣ - صلة الرحم]

قبل أن نتحدث عن واجبنا في رمضان وغيره تجاه أرحامنا أدعو القارئ إلي التأمل في هذا الحديث النبوي الشريف لنعلم كم نحن مقصرون في حق أنفسنا، زاهدون في خيري الدنيا والآخرة.

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم، والخيانة والكذب، وإن أعجل الطاعة ثواب لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا» (١).

ولا يتعلل البعض بوجود قطيعة وعداوة قديمة بينه وبين أهله وأرحامه، فلقد أتي رجل النبي صلي الله عليه وسلم: فقال يا رسول الله إن لي قربة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي وأحلم عنهم قال: «لئن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت علي ذلك» (٢).

[٤ - إطعام الطعام]

وهذا باب عظيم من أبواب الخير غفل عنه الكثير من الناس. قال صلى الله عليه وسلم: «إن من الجنة غرفا يري ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناس نيام» (٣).

ولقد كان صهيب - رضي الله عنه - يطعم الطعام الكثير، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، إنك تطعم الطعام الكثير وذلك صرف في المال، فقال صهيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «خياركم من أطعم الطعام ورد السلام» (٤)، فذلك الذي يحملني علي أن أطعم الطعام.

وكان علي رضي الله عنه يقول: لأن أجمع ناساً من أصحابي علي صاع من طعام أحب إلي من أن أخرج إلي السوق فأشتري نسمة فأعتقها (٥).

ومن أهم صور ذلك إطعام المساكين ففيه خير عظيم، قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أشتكي له من قسوة قلبه: «إن أحببت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس يتيم» (٦).

فلنجهز وجبات الإفطار للفقراء والمساكين ونجلس معهم - إن تيسر ذلك - نشاركهم طعامهم ونشعرهم بإخوتنا لهم ..

ومع تذكرنا لهؤلاء علينا ألا ننسي إخواننا المكروبين في كثير من بلدان العالم والتي يعاني أهلها من الظلم والاضطهاد والجوع والحرمان، ولنتذكر بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا» (٧).


(١) أخرجه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ٥٧٠٥.
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٨٢، رقم ٢٥٥٨)، وتسفهم المل: كأنما تطعمهم الرماد الحار.
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٣٤٣، رقم ٢٢٩٥٦)، وابن حبان (٢/ ٢٦٢، رقم ٥٠٩) وصححه الألباني.
(٤) أخرجه ابن سعد (٣/ ٢٢٧).
(٥) البخاري في الأدب المفرد.
(٦) أخرجه مسند أحمد (٢/ ٣٨٧، رقم ٩٠٠٦)، والبيهقي (٤/ ٦٠، رقم ٦٨٨٦).
(٧) أخرجه أحمد (٤/ ١١٤، رقم ١٧٠٧٤)، والبيهقي في شعب الإيمان (٣/ ٤١٨ رقم ٣٩٥٢)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٦٤١٥.

<<  <   >  >>