[كيف ننتفع بالقرآن؟]
إذن فنقطة البداية للتغيير تنطلق من استشعار حاجتنا إلى القرآن، وهذا - إن تحقق - سيدفعنا للانشغال به، ودوام الإقبال عليه، وعدم تركه ولو يوماً واحداً، وكيف لا وكل يوم يتعرض المرء لفتن وشهوات يحتاج أمامها إلى زيادة في الإيمان تُقَوِّي قلبه وتعينه على مقاومة ما يتعرض له.
ومع الانشغال اليومي، والمداومة على اللقاء المتكرر بالقرآن، لا بد أن تكون قراءته بفهم، وأن نعي ما نقوله، مع الصوت المسموع والترتيل، والقراءة الهادئة التي تبحث عن مواضع التأثر ولا تبحث عن كم القراءة.
و لنعلم جميعا أن التأثر والتجاوب مع القراءة هو الذي يزيد الإيمان ويفجر الطاقات ويطرد حب الدنيا من القلب، لذلك علينا أن يكون هدفنا من القراءة: متى سأتأثر؟ ولا يكون هدفنا متى سأختم السورة؟ فآية واحدة نفهمها - ولو فهمًا إجماليًّا - ونتأثر بها فتزيد الإيمان في قلوبنا خير من ختمة كاملة بلا فهم ولا تأثر.
و لأن التأثر لا يمكنه أن يحدث دون فهم للمقصود من الآيات، فلابد أن نفهم ما نقرأ ولكن دون تعسف، وأن نترك ما يستشكل علينا ونأخذ المعنى الإجمالي من الآيات، ولا بأس من العودة إلى التفسير لفهم ما صعب علينا فهمه ولكن في وقت أخر غير وقت قراءة القرآن حتى لا تنقطع صلة مشاعرنا بالآيات، ومن ثم يتأخر حدوث التأثر والتفاعل الذي ننشده.
[ترديد الآية التي تؤثر في القلب]
وعندما يحدث التأثر بأية من الآيات فعلينا الاستفادة القصوى بذلك .. لماذا؟ لأن التأثر معناه دخول نور هذه الآية إلى القلب، واختراقه لغلافه، وهزه للمشاعر، مما يزيد الإيمان ويقلل الهوى في القلب، ويفجر الطاقات .. فعلينا استثمار تلك اللحظات، والعمل على دخول أكبر قدر من النور إلى القلب، وذلك من خلال ترديد الآية التي تؤثر فيه .. هذا الترديد لا يوجد له حد أقصى من العدد، فطالما وجد التجاوب استمر الترديد، فإذا انقطع التجاوب انتقلنا إلى ما بعدها من آيات .. ولقد كان هذا هو هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .. كان أحدهم يردد الآية في قيامه لليل حتى يصبح.
معنى ذلك أننا قد لا نقرأ الكم الذي حددناه لأنفسنا .. نعم، قد يحدث ذلك، ولكن مع حلاوة الإيمان والتغيير الذي سنستشعره من خلال لقائنا بالقرآن سندرك القيمة الحقيقية لهذا الكتاب، بل وسنندفع متلهفين إلى طول الجلوس معه، ومن ثم ختمه في مده قصيرة، ولكن دون وجود سيف على رقابنا يدفعنا لسرعة القراءة حتى نتمكن من إنهاء الورد ..
وحبذا لو جعلنا وردنا زمناً لا كماً، ولنبدأ بساعة - على الأقل - كل يوم، نجلسها في مكان هادئ بعيداً عن الضوضاء .. نقرأ ونرتل ونفهم ونتأثر ونبكي، وندعو الله عز وجل من خيري الدنيا والآخرة.
ساعة واحدة!!
يقيناً، لو داومنا على لقاء القرآن ساعة واحدة - على الأقل- كل يوم، وجعلنا شعارنا فيها: «أن أفهم ما أقرأ وأتأثر به» .. يقينا سنشعر بتغيير تقر به أعيننا، وتنشرح له صدورنا مع كل لقاء مع القرآن.
سنشعر شيئا فشيئا بروح جديد تدب فينا، وطاقة تتولد داخلنا تدفعنا لهجر المعاصي، وفعل الطاعات، وصله الأرحام، والإنفاق في سبيل الله، والدعوة إليه، و ...
بهذه الساعة سيعظم قدر ربنا عندنا ويصبح أحب وأعز علينا من كل شيء، وستصغر أنفسنا ودنيانا في أعيننا، وسنزهد في الناس.
بهذه الساعة سنعرف معنى الإيمان، وسندرك حقيقته وحلاوته وسنأنس بالله، وسيزداد شوقنا إلى لقائه.
بهذه الساعة سنشعر بالسكينة والطمأنينة والحياة السعيدة.
بهذه الساعة سيزداد إنتاجنا في محيط الدعوة، وستتولد داخلنا الذاتية والإيجابية التي نبحث عنها منذ زمن طويل.
فهل سنداوم - أخي - على هذه الساعة ..