فإن كنت في شك من قدرة القرآن على التغيير فتأمل معي قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: ٢١].
[دواء مجرب]
ومما يزيدنا يقيناً في قدرة القرآن على تغييرنا وإعادة صياغتنا وتشكيلنا لنكون من خلاله قوما صالحين، أن هناك قوماً استخدموه، وأحسنوا التعامل معه، فغيرهم وجعل منهم جيلاً فريداً تفخر به البشرية حتى الآن .. ذلكم هو جيل الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا قبل إسلامهم أمة غريبة تغرق في الجاهلية، لا يقيم لها الآخرون وزناً، وإن شئت فقل إنهم كانوا في مؤخرة الأمم، وكانوا أسوأ حالاً مما نحن عليه، ومع ذلك فقد استطاع القرآن أن يغيرهم ويقومهم، ويشفيهم، ويخرج منهم أمة جديدة، هاماتها إلى السماء، فكان الوفاء السريع من الله لهم فنصرهم على أعدائهم وأورثهم الأرض وملكهم ممالكها، فانتقلوا من مؤخرة الأمم إلى مقدمتها وذلك في سنوات معدودات .. فماذا تقول بعد ذلك عن القرآن {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ... [العنكبوت: ٥١].
[القرآن هو الحل]
يقيناً - أخي الحبيب - أن القرآن الذي بين أيدينا قادر على تغييرنا تغييراً جذرياً وإعادة صياغتنا من جديد لنكون كما يحب الله عز وجل في القول والفعل، والسر والعلن، ولم لا وهو الدواء الرباني الذي أنزله الله عز وجل ليكون كتاب هداية، وشفاء، وتقويم، وتغيير لكل من يحسن التعامل معه {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥،١٦].
يقيناً - أخي الحبيب - أن القرآن الذي بين أيدينا هو الذي سيعيد لنا الأقصى وفلسطين والعراق و .... ، سيعيد لنا العزة والمجد، وسينقلنا من ذيل الأمم إلى مقدمتها مرة أخرى لو أحسنا التعامل معه وأعدنا تشغيل مصنعه، وتفعيل معجزته. ولنعلم جميعا بأن الجيل الموعود بالنصر والتمكين لا يمكن أن يتخرج إلا من مدرسة القرآن كما حدث مع الجيل الأول.
وغني عن البيان أن الحديث عن القرآن يشمل السُّنة بالتبعية، فالسنة تشرح القرآن وتُبين ما أُجمل فيه.
القرآن ينتظر:
أخي ....
إن أدوات التغيير القرآني جاهزة لتغييري وتغييرك، وتغيير أي شخص يحسن التعامل معها، وكيف لا، والقرآن يتعامل مع جميع مكونات الإنسان من عقل وقلب ونفس، فيبنى اليقين الصحيح في العقل ويزيد الإيمان في القلب، ويطرد منه الهوى وحب الدنيا ..
القرآن يفجر الطاقات داخل نفس من يقبل عليه بكيانه، ثم يلح عليه في تفريغ هذه الطاقات في مجالات الخير المختلفة؛ مع نفسه ومع أهله ومع المجتمع .. فتجد أهل القرآن، المنتفعين به هم أكثر الناس إنتاجا في عمل الخير.
والقرآن يعرّف صاحبه بربه معرفه يقينية فتتحسن تبعاً لذلك معاملته له سبحانه، فالمعاملة على قدر المعرفة، لذلك ترى أهل القرآن الحقيقيين هم أكثر الناس حبا لله، وتشوقاً إليه، وإخلاصاً له، وتوكلاً عليه، واستعانة به، وخوفاً منه ..
والقرآن يربط صاحبه بالآخرة، ويرغبه فيها، ويحببه في الجنة، ويدفعه للتشمير نحوها.
سيجعلنا القرآن دوماً نحذر من أنفسنا فنكف بذلك عن تزكيتها أو نسبة الفضل لها، بل يجعلنا ننسب أي خير يصيبنا لله عز وجل، وأي شر نقع فيه لأنفسنا.