للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرآن سيحطم داخلنا جدار الخوف .. الخوف على الرزق، والمستقبل، والأولاد، وسيصغر الدنيا في أعيننا، لأنه يضعها دائماً في حجمها الطبيعي. {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: ٤٥]

والقرآن .. سيعمل في اتجاهات كثيرة داخل النفس البشرية ويقوم بتغيير ومحو كل ما لا يحبه الله فيها.

[دواء يصلح للجميع]

ومع هذا كله فالتغيير القرآني لا يحتاج إلى أدوات يصعب توافرها، بل من عجائبه أنه ميسر للجميع، في كل زمان ومكان .. لو قرأه رجل أو امرأة .. عالم أو جاهل .. صغير أو كبير .. لو قرأه أي نوع من البشر، وأحسن التعامل معه وتأثر به فسيحدث له التغيير المطلوب.

فإن قلت وكيف يكون هذا، أليس الأكثر علماً هو الأكثر انتفاعاً بالقرآن؟!

لو تعاملنا مع القرآن على أنه كتاب ثقافة ومعرفة لكان الأكثر علماً بالفعل هو الأكثر انتفاعاً به، ولكن كما تبين لنا أن القرآن بالأساس كتاب تغيير وتقويم، ولكي يحدث ذلك لابد من التأثر بآياته وتحرك القلب معها، وهذا لا يشترط له فهم عميق أو علم غزير، فقد يفهم شخص ما آية بفهم محدود لكنه يتأثر بها تأثراً عظيماً، وقد يفهم آخر نفس الآية بفهم عميق ولكن دون تأثر .. فالأول بلا شك هو الذي سينتفع بالقرآن ويزداد به إيمانا، أما الثاني فسيزداد به فقط معرفة تظل حبيسة في عقله دون أن يكون لها أثر في سلوكه لأنه لم يتجاوب معها بقلبه.

إن التأثر القلبي متاح أمام الجميع، وهو مفتاح التغيير القرآني، وبدونه لن يحدث التغيير المطلوب .. هذا التأثر لا يستلزم ثقافة معينة أو فهماً عميقاً، بل يستلزم انفعال القلب مع ما تدل عليه الآيات حتى وإن كان مقدار فهم صاحبها لها محدوداً .. تأمل معي ما حدث للأعرابي الذي كان في مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم فاستمع منه إلى قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨]، فقال: يا رسول الله، أمثقال ذرة؟ قال: «نعم». فقال الأعرابي: واسوأتاه، ثم قام وهو يقولها، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان» (١).

[لماذا لا يغيرنا القرآن؟]

فإن قلت، ولكنى أقرأ القرآن وأختمه مرات ومرات، بل وأحفظ بعضه أو كله، والمذياع عندي ينطلق بالقرآن ليل نهار، ومع ذلك فإني لا أشعر بما ذكرته عن جوانب التغيير القرآني، فما زلت لا أجد همة ولا روحاً تدفعني للرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا، والمسارعة إلى فعل الخيرات، والانطلاق بالدعوة إلى الله.

نعم، هذه شكوى تكاد تكون عامة، وسببها أننا نتعامل مع القرآن كمصدر للأجر والثواب واستجلاب البركة فقط، ولا نتعامل معه على حقيقته التي أنزله الله من أجل تحقيقها وهي أنه كتاب تغيير وتقويم وهداية وشفاء.

إننا وللأسف الشديد - قد أدرنا ظهرنا للقيمة الحقيقية للقرآن، وحصرنا الانتفاع به في لفظه فقط.

من هنا يتبين لنا أننا إذا ما أردنا الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وبقدرته الفذة على التغيير فلا بد من تعامل آخر معه ..

لابد من تعامل جديد ينطلق من احتياجاتنا الماسة إلى تغيير الوضع المأسوي الذي نعيشه، وتعيشه أمتنا منذ عشرات السنين.


(١) أخرجه سعيد بن منصور.

<<  <   >  >>