للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يطمئن إليه، ويثق فيه وفي قدرته غير المتناهية، وفي قربه، وعلمه وإحاطته بكل شيء، ومن ثم يتوكل عليه ويتقيه، ويحبه، ويشتاق إليه، و ... .

فالتوكل على الله عز وجل، ومحبته، وخشيته دليل على قوة الإيمان به والعبودية له:

{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣].

{فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٣].

{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٥٧].

وكلما تمكن الإيمان من القلب تحسن السلوك تبعًا لذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (١).

فالإيمان هو الدافع للاستقامة وللسلوك الصحيح {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦].

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ١].

{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢].

العبادات وسائل:

فإن كانت حياة القلب بالإيمان هي الهدف الذي به تتحقق العبودية لله عز وجل فكيف يصل المسلم لهذا الهدف؟!

أرشدنا الله عز وجل إلى الوسائل التي من شأنها أن تبلِّغنا هذا الهدف .. هذه الوسائل هي العبادات بقسميها القلبية والبدنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١]

فالعبادات أدوية ناجحة تحقق للقلب عبوديته التامة لله عز وجل ..

فالصلاة من شأنها أن تُشعر المسلم بخضوعه وانكساره لربه، وهي وسيلة عظيمة للاتصال به سبحانه، ومناجاته، واستشعار القرب منه، والأنس به، والشوق إليه فتكون نتيجتها زيادة خضوع المشاعر لله {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩]، {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٩].

وبهذا يزداد الإيمان من خلال تلك الصلاة، وتظهر آثاره في دوافع المرء وسلوكه، فتزداد مسارعته لفعل الخير، ويقوى وازعه الداخلي ومقاومته لفعل المعاصي أو الاقتراب منها فيحقق قوله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥].

والصدقة عبادة عظيمة تقوم بمعالجة القلب من داء حب الدنيا والتعلق بها .. أي أنها تطهر القلب وتزيده قوة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣].

والصيام يساعد المرء على السيطرة على نفسه وإلزامها تقوى الله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣].

والذكر بصفة عامة يهدف إلى تذكُّر الله .. تذكُّر عظمته وجلاله وجماله وإكرامه فيزداد به المرء اطمئنانًا وثقة وإيمانًا {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨].

وهكذا في بقية العبادات القلبية والبدنية، والتي تشكل منظومة متكاملة، يتحقق من خلال القيام الصحيح بها الهدف العظيم من وجودنا على الأرض ...

فما من عبادة أرشدنا الله إليها إلا وتُعد بمثابة وسيلة و"مَركبة" تنقلنا إلى الأمام في اتجاه القرب منه سبحانه حتى نصل إلى الهدف العظيم في الدنيا (أن تعبد الله كأنك تراه) وفي الآخرة {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر: ٦١].

تهيئة الأجواء لتحقيق الهدف:


(١) متفق عليه: البخاري (١/ ٢٨، رقم ٥٢)، ومسلم (٣/ ١٢١٩، رقم ١٥٩٩).

<<  <   >  >>