(٢) يعترض حسين مؤنس على اعتبار الترف مفسدة أو سببًا من أسباب التدهور، "لأن الترف في ذاته ليس ضررًا أو مفسدة، بل مطلب إنساني عام .. "، مؤنس، حسين: الحضارة، ص٥٥. ولاعتراض مؤنس وجاهته، فغاية الحضارة - كما قلنا - أن تؤمّن الرفاهية لأبنائها، وكنا قد قلنا أيضًا إن كل فكرة تحمل نقيضها، فالترف حالة تكتنز خصائص سلبية وإيجابية، وتعامل الذات البشرية مع هذه الحالة هو الذي يدير هذه الخصائص، وعلى العموم فإن الوفرة تؤدي إلى الاستكانة والدعة والبلادة، وأغلب من نجح من الحكام، أو من غيرهم، في دور الوفرة هو من تعالى على إمكانات الترف، واختار هدفًا أسمى من لذّته، هو بقاء ملكه أو حماية شعبه، وتحقيق هدفه. ومن واجب الإنسان أن يسيطر على الأدوات، لا أن تسيطر عليه، وهو ما يسمى بسياسة "القبض"؛ أي القدرة على القبض على الأشياء ومعرفة كيفية استعمالها، كما يذكر حسين مؤنس نفسه في كتابه الحضارة، ص١٥٧. ويصف ديورانت إيطالية بأنها "كانت أكثر من غيرها فسادًا لأنها كانت أكثر ثراء، وأضعف حكمًا، وأقل خضوعًا لسلطان القانون، وإنها كانت أكثر رقيًا في ذلك التطور الذهني الذي يؤدي في العادة إلى التحلل من القيود الأخلاقية". ديورانت، ول: قصة الحضارة، ٢١/ ١٥٠.