وسمعتها، ولما فرغت المرأة من الحديث كاد يغمى على عائشة فتماسكت وعادت إلى البيت تبكي وتنتحب وتلوم أمها لأنها كتمت عنها الخبر رأفة بها، وراحت الأم تخفف من حدة غضب «عائشة» والدموع تنهمر من عينيها فتغسل وجهها وتقول: أي بنية هوني عليك الشأن فوالله ما كانت امرأة حسناء عند زوج يحبها ولها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها لكن أين عائشة وأين أمها! !
لقد كانت في هم شديد، الدنيا كلها في نظرها مظلمة سوداء. فقبعت في الدار متوارية عن الناس عازفة عن الطعام والشراب لا تغفو ولا تنام تبكي وتنشج. ولم يكن سكوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكوت الصدق - معاذ الله - ولكن سكوت الصابر حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً. وحين كثر القيل والقال خطب في الناس فقال: «أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت منهم إلا خيرًا، ويقولون ذلك في رجل ما علمت منه إلا خيرًا وما يدخل بيتًا من بيوتي إلا وهو معي (يعني صفوان بن المعطل)» فسكت الناس جميعًا ثم أراد رسول الله أن يستشير خلصاءه في هذا الأمر وأصفياءه فاستدعى إليه ابن عمه علي بن أبي طالب وحبه أسامة بن زيد وسألهما رأيهما فقال أسامة: إنك لأعلم الناس بعائشة يا رسول الله وإن الناس لتكذب وما عرفت عنها إلا خيرًا، وأما علي فقال: يا رسول الله إن النساء كثيرات وإنك لقادر على أن تستخلف (أي تنجب الأبناء) وسل الجارية تصدقك.