للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دعواه، على أن دعواه تلك باطلة لا صحة لها، وعليه فيصح لي أن أقول حيث إنه مدعي الاجتهاد آمر به غيره:

أطرق كرا أن النعام في القرى

ولفظ عبارته قبل بيان خطئه، قال في تفسير قوله تعالى {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}: والسائل هو المستفهم عما لا يعلم (١)

، وليس هو طالب الصدقة، فإن هذا


(١) قوله "وليس هو ... " إلخ، روي في أسباب النزول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا، فجاءه عثمان بعذق من تمر فوضعه بين يديه، فأراد أن يأكل، فوقف سائل بالباب، فقال: رحم الله عبدا يرحمنا، فأمر بدفعه إلى السائل، فكره عثمان ذلك، وأراد أن يأكله النبي صلى الله عليه وسلم فخرج واشتراه من السائل، ثم رجع السائل ففعل ذلك ثلاث مرات، وكان يعطيه النبي عليه السلام، إلى أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسائل أنت أم بائع؟ فنزل: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ا. هـ. رازي.
ثم انظر ما يصنع في قوله تعالى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، فإنه تعالى وصف هذا الجنس بأنه طبع على هذه الأوصاف الذميمة، ثم استثنى المصلين الموصوفين بما ذكر "والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم" فهل يصح جعل العلوم القائمة بهم بعض من أموالهم التي بأيديهم حتى يعطوا منها للسائل والمحروم ما يسد به خلته ويزيل عيلته، إلا أن يكون في المنام وأضغاث الأحلام أو على رأي من طبع الله قلبه على الشح، فقال: العالم كرمه في بث علومه وأقواله، دون تفريق أمواله، وما يعني المحتاج من دعواته وصلواته إذا لم يصحبها شيء من زكواته.
وقالوا يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهن الصلاة
فقلت لهم وما تغني عيالي ... صلاتي إنما الشأن الزكاة
فيأمر لي بكسر الصاد منها ... فتصبح لي مع الصلة الصلاة
وبالجملة فالسائل في الآية عام، ولا صارف له عن عمومه من المخصصات، ولا قرينة مانعة تجعله من العام المراد به الخصوص.

<<  <   >  >>