ولذا قال في الإبريز: ليس في مخلوقات الله كلها أحسن خلقة من بني آدم، فذواتهم هي أحسن ذوات المخلوقات وأفضلها وأرفعها وأقومها. والعقل إذا تأمل في التفاصيل التي في ذات الآدمي، والتركيب الذي بين أجزائها، والترتيب الذي بين مفاصلها وعروقها، والمحاسن التي اشتمل صنع الله عليها في ظاهرها وباطنها -حار وعلم عظمة خالقها ومصورها سبحانه، وفضل ذاته حتى على ذات الملك؛ لأنه اجتمع فيه مخلوقات لم تجتمع في ذات الملك، وكل ما في ذات الملك هو في ذات الآدمي وزيادة، فإن ذات الملك من نور وركب في ذلك النور عقل، هذا ما في ذات الملك لا غير، وذات الآدمي فيها ذلك النور، وفيها العقل، وفيها الروح، وفيها ألوان من تراب ونار وريح وماء، وفي كل واحد منها سر من أسرار قدرة الله عز وجل، فباجتماعها في ذات واحدة تقوى الأسرار في تلك الذات، ولهذا كانت تطيق من الأسرار ما لا تطيقه ذات الملك، ولذا صور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عليها، فإنه أقوى المخلوقات في تحمل الأسرار الربانية، فلو كانت هناك ذات أقوى من ذات الآدمي لصور سيد الوجود صلى الله عليه وسلم عليها، وقد أشار لذلك الإمام القشيري في التحبير عند شرح أسماء الله الحسنى، ومع كون ذات الآدمي أحسن الذوات جرى في سابق علمه أن جعل طائفة منها إلى الجنة وطائفة إلى النار لوضع الحجاب عليها، فزالت معرفتها بخالقها، وحصل منها ما حصل، وهو عبارة عن ظلام من ظلام جهنم، كسيت به الذات فحجبها عن الحق ومعرفته، ولولا الحجاب لكانت كالملك ا. هـ. وقال سيد علي الخواص: لولا الأكل ما حجبت، ولولا الحجب ما عصى.