هذا نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال له ربه سبحانه:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب:٤٥ - ٤٦]، أرسله وأخبره سبحانه وتعالى أنه أرسل للناس كافة {بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[البقرة:١١٩]، فيدعو الخلق جميعهم، إنسهم وجنهم إلى دين رب العالمين، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:١٤٤].
أخبر أنه مخلوق وأن المخلوق لا بد أن يموت، قال الله تعالى:{أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:١٤٤]، هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه عبد لله ورسوله بلغ التواضع عنده أعلاه، فقد قال الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}[الإسراء:١]، وقال عنه:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن:١٩]، وقال عنه:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:٢٣]، فوصفه بأنه عبد لله، وخيره أتحب أن تكون ملكاً رسولاً، أم عبداً رسولاً؟ فجاء جبريل فاستشاره النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن تواضع، فتواضع النبي صلوات الله وسلامه عليه.
جلس على الأرض يأكل طعامه وطعامه على الأرض، ويأتي أعرابي لينظر لحاله، وكان غاية في الكرم صلوات الله وسلامه عليه، له جفنه لا يطيق حملها إلا أربعة من الرجال، فإذا صلى الضحى صلوات الله وسلامه عليه في مسجده أوتي بهذه الجفنه -وتسمى الغراء- فوضعت بين أيدي القوم فأكلوا من طعامه صلوات الله وسلامه عليه.
وجيء بها مرة وتضايق المكان عن الناس فكانوا عدداً كبيراً، فجلس على ركبتيه مستوفزاً صلوات الله وسلامه عليه جلسة المتواضع، فنظر إليه أعرابي وقال: ما هذه الجلسة؟ وكأنه يحتقر هذه الجلسة ويعظم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلسها؛ لأن هذه الجلسة لا يجلسها إلا الضعفاء من الناس، فقال:(إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً)، صلوات الله وسلامه عليه، أنا عبد لله أكرمني فما تلحق بي حقارة، إني أجلس هذه الجلسة على وجه التواضع لله وليس من باب الذل لخلق الله سبحانه وتعالى، وحاشا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
هذا النبي الكريم الذي أمره ربنا أن يعدل بين عباده، فقال:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:٨] وقال: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}[المائدة:٢]، فنهاهم أن يعتدوا، أن يجوروا وأن يظلموا حتى ولو كان أعداؤهم قد ظلموهم ومنعوهم من المسجد الحرام، كما قال الله:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}[المؤمنون:٩٦].